الرسول -صلى الله عليه وسلم- اجتهاد من اجتهد في حضرته من صحابته. ويقال للمجتهد: إن أصبت أجران، وإن اخطأت فلك أجر. وكان ينهى عن الشيء لمصلحة تقضي بتحريمه ثم يبيحه إذا تبدلت الحال وصارت المصلحة في إباحته، كما في حديث "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها". ولما خرج صحابيان في سفر وحضرتهما الصلاة وليس معهما ماء وصليا ثم وجدا الماء في الوقت وأعاد أحدهما ولم يعد الآخر صوبهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال للذي لم يعد: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك"، وقال للآخر "لك الأجر مرتين".
هذا كله وكثير من مثله بث في نفوس المسلمين أن غاية الشرع إنما هي المصلحة، وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله. وأنار لهم أن السبيل إلى تحقيق المصالح حيث لا نص إنما هو اجتهاد الرأي.
وقد ظهرت هذه الروح فيما سلكه الراشدون بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تدبير العامة للدولة فكانوا يهتدون في نظمهم وسائر تصرفاتهم بما شرع الله في كتابه، وعلى لسان رسوله. وإن حدث لهم ما ليس له حكم في كتاب ولا سنة اجتهدوا رأيهم واتبعوا ما أدى إليه اجتهادهم مما رأوا فيه مصلحة الأمة ولا يخالف روح الدين. وكثيرًا ما كان اجتهاد أحدهم يخالف اجتهاد صاحبه بل قد يخالف ما يفهم من ظاهر النص.
وما أتهم مجتهد منهم أنه على غير الحق أو تنكب طريقه، ما دامت الغاية: المصلحة وعدل الله، والوسيلة: اجتهاد الرأي وإنعام النظر.