على الكوفة وعمرو بن العاص عامله على مصر وأبي هريرة عامله على البحرين وغيرهم.
وبهذا القصد في المصروفات، والعناية والأمانة في الجباية، حسنت حال الدولة المالية وما مست حاجة إلى إرهاق الناس بالضرائب الفادحة أو الخروج عن سنن الموارد الشرعية وساعدهم على هذا فتوح البلدان ودخول الناس في الإسلام.
وأما فيما بعد دولة الراشدين، فقد تغيرت الحال بالانتقال من البداوة إلى الحضارة ومن الخلافة إلى الملك، فزادت مصروفات الخلفاء وتبعهم الولاة وسائر عمال الدولة، وكثرت الحروب الداخلية بين أحزاب الأمويين والهاشميين والخوارج، ولم يوجد غناء في الإيراد، فاضطروا إلى الخروج عن سنن الموارد الشرعية، وانطلقت الأيدي بالجور والعسف في جباية الأموال بالوسائل غير المشروعة وبإرهاق الناس بالضرائب الفادحة فزادوا في الخراج والجزية على حين كانت الزيادة تناقض العهد وفرضوا الضرائب على الأرض الخراب، وفرضوا هدايا على الذميين في عيد النيروز، ووضعوا ضرائب على مرور السفن بالماء ووضع مروان بن محمد في ولايته على أمينية ضرائب الأسماك، ومع هذا التفنن في ضرب الضرائب استخدموا القسوة في تحصيلها وكل هذا لم يجد نفعا في حفط التوازن المالي، وأدى إلى نفور الناس منهم واستخدمه الدعاة لإسقاط دولتهم، لأن المصالح العامة أهملت وأرباب الأموال ناءوا بأعباء من الضرائب ثقيلة.