وأما مصرف النوع الثالث من الخراج وأخواته: فعمارة الدين وإصلاح مصالح المسلمين من رزق الولاة والقضاة وأهل الفتوى من العلماء والمقاتلة ورصد الطرق وعمارة المساجد والرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور وإصلاح الأنهار التي لا ملك لأحد فيها.
وأما النوع الرابع: فيصرف إلى دواء الفقراء والمرضى وعلاجهم وإلى أكفان الموتى الذين لا مال لهم، وإلى نفقة اللقيط وعقل جنايته، وإلى نفقة من هو عاجز عن الكسب وليس له من تجب عليه ونحو ذلك، وعلى الإمام صرف هذه الحقوق إلى مستحقيها.
هذا ما قرره العلماء في تقسيم المصارف وتوجيه الإيراد فيها ولنا فيما قرروه بحث جدير بالنظر.
وذلك أن الله سبحانه لما بين مصارف الصدقات في آية التوبة ذكر فيها {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ولما بين مصارف خمس الغنائم في سورة الأنفال بدأها بقوله {فَإِنَّ لِلَّهِ} ولما بين مصارف الفيء في سورة الحشر قال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ} 1، فالمواضع الثلاثة التي ذكرت فيها وجوه الصرف في القرآن ذكر فيها {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، {فَإِنَّ لِلَّهِ} ، {فَلِلَّهِ} فالذي يؤخذ من هذا الصدقات وخمس الغنائم والفيء تشترك في أنها يصرف منها في سبيل الله، ولله، والمراد من الصرف لله وفي سبيل الله الصرف للمصلحة العامة التي لعدم اختصاص فرد بها نسبت إلى الله فتكون جميع الموارد مشتركة في أن يصرف منها للمصلحة العامة، غير أن كل آية من آيات المصارف لما نصت على المصلحة العامة خصت بالذكر بعض أفراد هذه المصالح لفتا للنظر إليها وتنبيها على رعايتها.