فقال عمر عند ذلك: أما والله لئن بقيت لأرامل أهل العراق لأدعنهم لا يفترقون إلى أمير بعدي.
وأما مقدار الواجب وموعد أدائه وطريقته فقد روعي فيها أيضا الاقتصاد والرفق بذوي الأموال من غير تفويت حق المصلحة العامة فجعل موعد أداء الواجب حين يحول الحول على المال وجعل الأداء موكولا إلى رب المال في الأموال الباطنة كالنقود لأن في عدها على صاحبها واستقصائها حرجا وإضرارا به فوكل إليه أداؤها بوازع من دينه وسائر الأموال جعل لولاة الأمور تحصيلها لصرفها في مصارفها على أن يراعوا في هذا التحصيل ما يقضي به الرفق والعدل. قال القاضي أبو يوسف في خطابه إلى أمير المؤمنين الرشيد في كتاب الخراج وتقدم إلى من وليت أن لا يكون عسوفا لأهل عمله. ولا محتقرا لهم. ولا مستخفا بهم. ولكن يلبس لهم جلبابا من اللين يشوبه بطرف من الشدة والاستقصاء من غير أن يظلموا أو يحملوا ما لا يجب عليهم.
وقد كان العدل في الضرائب الإسلامية وإحاطتها بالشرائط الاقتصادية من أقوى الأسباب التي ساعدت المسلمين على فتح البلدان وثبتت أقدامهم فيما فتحوه؛ لأن الفرس والرومان كانوا قد أرهقوا الناس بالضرائب الفادحة وحملوهم فوق ما يطيقون ولم ينصفوا مالكا ولا زارعا. وفيما دار بين أبي عبيدة وأهل الشام لما أمر أن يرد عليهم ما جبي منهم دليل على ما كانت تكنه صدورهم وما كانت ترهقهم به الإمبراطورية الرومانية.