الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرَّاهِبِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالْأَعْمَى، وَالزَّمِنِ، وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُقْتَلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى إبَاحَةَ قَتْلِ الْجَمِيعِ لِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ؛ إلَّا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ؛ لِكَوْنِهِمْ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ هُوَ لِمَنْ يُقَاتِلُنَا، إذَا أَرَدْنَا إظْهَارَ دِينِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] (سورة البقرة: الآية 190) . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، قَدْ وَقَفَ عَلَيْهَا النَّاسُ. فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ» وَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: «الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ: لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا» . وفيها أَيْضًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طفلاً صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً» . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ مِنْ قَتْلِ النُّفُوسِ مَا يُحتاج إلَيْهِ فِي صَلَاحِ الْخَلْقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] (سورة البقرة: من الآية 217) . أَيْ أَنَّ الْقَتْلَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ وَفَسَادٌ فَفِي فِتْنَةِ الْكُفَّارِ مِنْ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، فَمَنْ لَمْ يَمْنَعْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إقَامَةِ دِينِ اللَّهِ لَمْ تَكُنْ مَضَرَّةُ كُفْرِهِ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الفقهاء: إن الداعية إلى البدع الخالفة لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، يُعَاقَبُ بِمَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ السَّاكِتُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا أُخْفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا؛ وَلَكِنْ إذَا ظهرت فلم شكر ضرت العامة» . ولهذا أوجبت الشريعة قتال الْكُفَّارِ، وَلَمْ تُوجِبْ قَتْلَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ؛ بَلْ إذَا أُسِرَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْقِتَالِ، أَوْ غَيْرِ الْقِتَالِ، مِثْلِ أَنْ تُلْقِيَهُ السَّفِينَةُ