فصل الْعُقُوبَاتُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ لِمَنْ عَصَى الله ورسوله نوعان: أحدهما: عقوبة المقدور عَلَيْهِ، مِنْ الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: عِقَابُ الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ، كَاَلَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا إلَّا بِقِتَالٍ. فَاصِلٍ هَذَا هُوَ جِهَادُ الْكُفَّارِ، أعداء الله ورسوله، فكل من بلغته دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى دِينِ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهُ (حَتَّى لَا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله) . ولأن الله لما بعث نبيه، وأمره بدعوة الخلق إلى دينه: لم يأذن له فِي قَتْلِ أَحَدٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَا قِتَالِهِ، حَتَّى هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَذِنَ لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ - الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ - الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 39 - 41] (سورة الحج: الآيات 39- 41) . ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالَ بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] (سورة البقرة: الآية 216) . وَأَكَّدَ الْإِيجَابَ وَعَظَّمَ أَمْرَ الْجِهَادِ، فِي عَامَّةِ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ. وَذَمَّ التَّارِكِينَ لَهُ، وَوَصَفَهُمْ بِالنِّفَاقِ ومرض القلوب،