وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ اسْتَجَارَ بِهِ مُسْتَجِيرٌ- إنْ كَانَ مَظْلُومًا يَنْصُرُهُ. وَلَا يَثْبُتُ أَنَّهُ مظلوم بمجرد دعواه؛ فطالما اشتكى الوجل وهو ظالم؛ بل يكثف خَبَرَهُ مِنْ خَصْمِهِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ ظَالِمًا رَدَّهُ عَنْ الظُّلْمِ بِالرِّفْقِ إنْ أَمْكَنَ؛ إمَّا مِنْ صُلْحٍ أَوْ حُكْمٍ بِالْقِسْطِ، وَإِلَّا فَبِالْقُوَّةِ. وإن كان كل منهما ظَالِمًا مَظْلُومًا كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ، مِنْ قَيْسٍ وَيَمَنٍ وَنَحْوِهِمْ. وَأَكْثَرُ الْمُتَدَاعِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي، أو كان جَمِيعًا غَيْرَ ظَالِمَيْنِ. لِشُبْهَةٍ أَوْ تَأْوِيلٍ، أَوْ غَلَطٍ وَقَعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا: سَعَى بَيْنَهُمَا بِالْإِصْلَاحِ، أَوْ الْحُكْمِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9 - 10] (سورة الحجرات: الآيتان 9، 10) . وَقَالَ تَعَالَى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114] (سورة النساء: الآية 114) . وقد روى أبو داود في السنن. عزر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «قِيلَ لَهُ: " أَمِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يَنْصُرَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ فِي الْحَقِّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: وَلَكِنْ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يَنْصُرَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ فِي الْبَاطِلِ» . وَقَالَ: «خَيْرُكُمْ الدَّافِعُ عَنْ قَوْمِهِ مَا لَمْ يَأْثَمْ» . وَقَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَنْصُرُ قَوْمَهُ بِالْبَاطِلِ كَبَعِيرٍ تَرَدَّى فِي