وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ الإِمام مَنْ يَضْعُفُ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْحَرَامِيَّةِ، وَلَا مَنْ يَأْخُذُ مَالًا من المأخوذين: التجار ونحوهم مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، بَلْ يُرْسِلُ مِنْ الْجُنْدِ الْأَقْوِيَاءِ الْأُمَنَاءِ؛ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ، فَيُرْسِلَ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ. فَإِنْ كَانَ بَعْضُ نُوَّابِ السُّلْطَانِ أَوْ رُؤَسَاءِ الْقُرَى وَنَحْوِهِمْ يَأْمُرُونَ الْحَرَامِيَّةَ بِالْأَخْذِ فِي الْبَاطِنِ أَوْ الظَّاهِرِ، حَتَّى إذَا أَخَذُوا شيئا قاسمهم ودافع عنهم، وأرضى المأخوذين ببعض أَمْوَالِهِمْ، أَوْ لَمْ يُرْضِهِمْ، فَهَذَا أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ مُقَدَّمِ الْحَرَامِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِدُونِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ هَذَا. وَالْوَاجِبُ أَنْ يقال فيه ما يقال في الردء وَالْعَوْنِ لَهُمْ. فَإِنْ قُتِلُوا قُتِلَ هُوَ عَلَى قول أمير المؤمنين عمر ابن الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وإن أخذوا المال قطعت يده ورجله، وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قَتَلَ وَصَلَبَ. وَعَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْطَعُ وَيَقْتُلُ وَيَصْلُبُ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ هَذَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لم يأذن لَهُمْ؛ لَكِنْ لَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِمْ قَاسَمَهُمْ الْأَمْوَالَ، وَعَطَّلَ بَعْضَ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ. وَمَنْ آوَى مُحَارِبًا أَوْ سَارِقًا، أَوْ قَاتِلًا وَنَحْوَهُمْ. مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لآدمي، ومنعه أن يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْوَاجِبَ بِلَا عُدْوَانٍ، فَهُوَ شَرِيكُهُ في الجرم، وقد لعنه الله ورسوله. روى مسلم في صحيحه، عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا» . وَإِذَا ظُفِرَ بِهَذَا الَّذِي آوَى الْمُحْدِثَ، فَإِنَّهُ طلب مِنْهُ إحْضَارُهُ، أَوْ الْإِعْلَامُ بِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ عُوقِبَ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يُمَكِّنَ مِنْ ذَلِكَ الْمُحْدِثِ، كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يعاقب الممتنع من أداء المال الواجب. فمن وَجَبَ حُضُورُهُ مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ يُعَاقَبُ مَنْ منع حضورها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015