فصل وأما المصارف: فالواجب أن يبدأ فِي الْقِسْمَةِ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ العامة: كَعَطَاءِ مَنْ يُحَصِّلُ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ مَنْفَعَةً عَامَّةً. فَمِنْهُمْ الْمُقَاتِلَةُ: الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النُّصْرَةِ وَالْجِهَادِ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْفَيْءِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِمْ؛ حَتَّى اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَالِ الْفَيْءِ: هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ، أَوْ مُشْتَرَكٌ فِي جَمِيعِ الْمَصَالِحِ؟ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ فَلِجَمِيعِ الْمَصَالِحِ وِفَاقًا، إلَّا مَا خَصَّ بِهِ نوع، كَالصَّدَقَاتِ وَالْمَغْنَمِ. وَمِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ ذَوُو الْوِلَايَاتِ عَلَيْهِمْ: كَالْوُلَاةِ، وَالْقُضَاةِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالسُّعَاةِ عَلَى الْمَالِ: جَمْعًا، وَحِفْظًا، وَقِسْمَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ حَتَّى أَئِمَّةِ الصَّلَاةِ والمؤذنين ونحو ذلك. وكذا صرفه فِي الْأَثْمَانِ وَالْأُجُورِ، لِمَا يَعُمُّ نَفْعُهُ: مِنْ سَدَادِ الثُّغُورِ بِالْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ، وَعِمَارَةُ مَا يُحْتَاجُ إلَى عِمَارَتِهِ مِنْ طُرُقَاتِ النَّاسِ: كَالْجُسُورِ وَالْقَنَاطِرِ، وَطُرُقَاتِ الْمِيَاهِ كَالْأَنْهَارِ. وَمِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ: ذَوُو الْحَاجَاتِ؛ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ اخْتَلَفُوا هَلْ يُقَدَّمُونَ فِي غَيْرِ الصَّدَقَاتِ، مِنْ الْفَيْءِ وَنَحْوِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقَدَّمُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَالُ اُسْتُحِقَّ بالإِسلام، فَيَشْتَرِكُونَ فِيهِ، كَمَا يَشْتَرِكُ الْوَرَثَةُ فِي الْمِيرَاثِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُقَدَّمُونَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَدِّمُ ذَوِي الْحَاجَاتِ، كَمَا قَدَّمَهُمْ فِي مَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ؛ إنما