أتلفه الله» . رواه البخاري. وإن كَانَ اللَّهُ قَدْ أَوْجَبَ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ الَّتِي قُبِضَتْ بِحَقٍّ؛ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ الغضب وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَكَذَلِكَ أَدَاءُ الْعَارِيَّةِ، وَقَدْ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَالَ فِي خطبته: «العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . وَهَذَا الْقِسْمُ يَتَنَاوَلُ الْوُلَاةَ وَالرَّعِيَّةَ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا: أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْآخَرِ مَا يَجِبُ أداؤه إليه، فعلى ذي السلطان، ونوابه في العطاء، أَنْ يُؤْتُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَعَلَى جُبَاةِ الْأَمْوَالِ كَأَهْلِ الدِّيوَانِ أَنْ يُؤَدُّوا إلَى ذِي السُّلْطَانِ مَا يَجِبُ إيتَاؤُهُ إلَيْهِ؛ وَكَذَلِكَ على الرعية الذين تجب عليهم الْحُقُوقِ؛ وَلَيْسَ لِلرَّعِيَّةِ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْ وُلَاةِ الأموال ما لا يستحقونه، فيكونون مِنْ جِنْسِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ - وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 58 - 59] (سورة التوبة: الآيتان 58، 59) . ثم بين سبحانه لمن تكون بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] (سورة التوبة: الآية 60) . وَلَا لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا السُّلْطَانَ مَا يَجِبُ دفعه إليه مِنْ الْحُقُوقِ، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا؛ كَمَا «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ جور الولاة، قال: أَدُّوا إلَيْهِمْ الَّذِي لَهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله