بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالتَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ، وَالْإِلْقَاءِ مِنْ مَكَان شَاهِقٍ، وَالْخَنْقِ، وَإِمْسَاكِ الْخُصْيَتَيْنِ حَتَّى تَخْرُجَ الرُّوحُ، وغم الوجه حتى يموت، وسقي السموم ونحو ذلك من الأفعال، فهذا إذا فعله وجب فِيهِ الْقَوَدُ، وَهُوَ أَنْ يُمَكَّنَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ مِنْ الْقَاتِلِ؛ فَإِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا عَفْوًا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ. وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا غَيْرَ قَاتِلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] (سورة الإسراء: الآية 33) . قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: لَا يَقْتُلُ غَيْرَ قَاتِلِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبَلٍ -الْخَبَلُ الْجِرَاحُ- فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثٍ: فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ: أَنْ يَقْتُلَ، أَوْ يَعْفُوَ، أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ. فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَادَ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا» . رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَ الْعَفْوِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ فَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِمَّنْ قَتَلَ ابْتِدَاءً، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ حَدًّا، وَلَا يَكُونُ أَمْرُهُ لِأَوْلِيَاءِ المقتول. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ - وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 178 - 179] (سورة البقرة: من الآية 178 والآية 179) . قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِالْغَيْظِ، حَتَّى يُؤْثِرُوا أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ وَأَوْلِيَاءَهُ، وَرُبَمَا لَمْ يَرْضَوْا بِقَتْلِ الْقَاتِلِ، بَلْ يَقْتُلُونَ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْقَاتِلِ كَسَيِّدِ الْقَبِيلَةِ وَمُقَدِّمِ الطَّائِفَةِ، فَيَكُونُ الْقَاتِلُ قَدْ اعْتَدَى فِي الِابْتِدَاءِ، وَتَعَدَّى هَؤُلَاءِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ الْخَارِجُونَ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015