بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس سلامٌ عليك، أما بعد:
فإن القضاء فريضةٌ محكمةٌ، وسنةٌ متبعةٌ، فافهم إذا أُدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلمٌ بحقٍّ لا نفاذ له، آسي بين الناس في مجلسك، وفي وجهك، وقضائك؛ حتى لا يطعم شريفٌ في حيفك، ولا ييأس ضعيفٌ من عدلك، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، ومن ادعى حقًّا أو بينةً فاضرب له أمدًا ينتهي إليه، فإن بينه أُعطيته، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر، ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فرجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خيرٌ من التمادي في الباطل، والمسلمون عدول بعضهم على بعض.
هذا ضمن ما جاء في كتاب عمر بن الخطاب، وهو دستور القضاء إلى الآن، وسوف يستمر في المستقبل -إن شاء الله.
ثالثًا: ثم نتكلم الآن عن السلطة القضائية والقضاء في عهد عثمان فنقول:
لما تولى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخلافة وبُيع عليها في سنة 17 هجرية سلك في شأن القضاء مسلكًا غير الذي سلكه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خلافته، فقد عزل عثمان عن قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد، واستقل هو بالسلطة القضائية وبالقضاء، فكان ينظر الخصومات بنفسه في جميع القضايا المهمة ذات الأمور قضائية، وكان يستدعي هؤلاء القضاة الذين عزلهم من منصب القضاة وغيرهم من الصحابة للتشاور معهم فيما يحكم به عند الحاجة إلى ذلك، فإن وافق رأيهم رأيه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في