راعى سر النص، وحكم روح النص، وقرر أن الآية التي فرضت نصيبًا لهؤلاء المؤلفة لم تفعل ذلك؛ ليتخذ شريعة عامة يعمل بها في كل حالٍ، وزمان، بل إنما كان لحكمة خاصة، وسبب لم يعد قائمًا بعد، وأرشد إلى هذا بقوله: إن الله قد أعز الإسلام وأغنى عنهم - يعني: أغنى الإسلام عن هؤلاء المؤلفة قلوبهم- فعمر -رضي الله عنه- رأى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد أوجبه الله تعالى لحاجة المسلمين إلى من يعضدهم، وينصرهم، أو لا يؤلب عليهم القبائل؛ فإذا صار المسلمون في قوة، وعزة، وزال المعنى الذي من أجله وجب ذلك السهم؛ كان للإمام أن يصرفه عن أولئك المؤلفة إلى ما هو أجدى على المسلمين وأنفع.
وهذا الكلام موجود في كتاب الشيخ عبد الرحمن تاج في السياسية الشرعية، وليس معنى هذا إبطال سهم المؤلفة رأسًًا، بل إن أمره يدور مع ذلك السبب وجودًا وعدمًا. بمعنى: أن سهم المؤلفة قلوبهم لم يرفع على الإطلاق، ولكن ذلك يتوقف على السبب الذي شرع من أجله؛ لقد شرع من أجل أنه كان بالمسلمين ضعف، وكانوا في حاجة إلى من يتألفونهم؛ حتى يقفوا بجانبهم، ولا يؤلبون القبائل عليهم.
لكن إذا أصبح هذا السبب غير موجودٍ، عندما أصبح بالمسلمين قوة؛ ففي هذه الحالة لم يعد السبب موجودا، وبالتالي فلا ينطبق الحكم فالحكم يدور مع علته، وجودًا وعدمًا، حتى إذا تجددت للمسلمين حاجة إلى التأليف -كما كانت الحاجة إلى ذلك أول الأمر- صح للإمام أن يصرف للمؤلفة على حسب ما يرى من المصلحة العامة.
جاء في (أحكام القرآن) لابن العربي في تفسير آية الصدقات يقول: اختلف في بقاء المؤلفة قلوبهم، فمنهم من قال: هم زائلون -يعني: لم يعد يأخذون من