وحكمت العلاقة بين المسلمين وغيرهم من غير المسلمين، وفق هذا الدستور، إلا أنه يلاحظ أن النظام السياسي لهذا الدستور، أو الصحيفة قد اجتاز ثلاثة أدوار كبرى، وصل في نهايتها إلى مرتبة النظام الإسلامي الكامل ما سنوضحه في ما يلي:

نقول: شهدت الفترة التي تقع بين عقد الصحيفة مع أهل يثرب ووفاة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- تطويرًا للنظم الجديدة، بما يتفق ونمو الدولة الإسلامية، وتنسيقًا بين مؤسساتها أيضًا، حتى صارت تشكل جميعها النظام الإسلامي الكامل، وغدا هذا الجانب التطبيقي الينبوع الذي نهل منه المسلمون خلفًا عن سلفٍ، وهم يرفعون قواعد الدولة التي خلفها لهم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ويضعون لها في نفس الوقت النظم التي تتلاءم مع كل مرحلة من مراحل امتداد الدولة الإسلامية في شتى أرجاء العالم، ذلك أن الصحيفة أو الدستور الذي تحدثنا عنه كانت فكرة خلاقة، جسدت التعاليم التي جاءت بها الدولة الإسلامية في نظام سياسي استطاع أن يواجه النظم السياسية المعادية له، وأن يتغلب عليها الواحدة بعد الأخرى في يثرب أولًا، ثم في سائر أرجاء شبه الجزيرة العربية، وما جاورها من بلاد ثانية، واجتاز النظام السياسي للصحيفة ثلاثة أدوار كبرى -كما قلنا- وصل في نهايتها إلى مرتبة النظام الإسلامي الكامل عن جدارة مثالية، وتجربة فريدة.

واشتمل الدور الأول على السنوات الخمس الأولى للهجرة النبوية الشريفة، واستطاع فيها نظام الصحيفة أن يكفل للدعوة الإسلامية الوليدة في يثرب الحماية من كل أعدائها في الخارج -وعلى رأسهم قريش- ومن أعدائها في الداخل -وعلى رأسهم اليهود في المدينة- وانتهى هذا الدور في السنة الخامسة باندحار الخطر الخارجي في غزوة الخندق، ثم طرد قبيلة بني قريظة آخر قبائل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015