وأما عن واجبات الأمير في الإمارة العامة فهي -كما ذكرنا- تشبه واجبات الإمام بالنسبة لعموم الدولة؛ كل ما في الأمر أن الأمير مختص بإمارته فقط، فيدير جميع شئونها من النواحي السياسية، والمالية، والحربية، والدينية، والقضائية، وما إلى ذلك.
وأما إمارة الاستيلاء: فهي التي يعقدها الإمام أو الخليفة عن اضطرار، وذلك بأن يستولي الأمير بالقوة على إقليم ما، فيقلده الرئيس الأعلى للدولة على إمارته، ويفوض إليه تدبيره وسياسته، فيكون الأمير باستيلائه مستبدًّا بالسياسة والتدبير؛ وإمارة الاستيلاء إنما هي النوع الثاني من أنواع الإمارة العامة.
وقد نشأت إمارة الاستيلاء عن حكم الضرورة، أو هي إقرار لسياسة الأمر الواقع، ولم تكن معروفة في أيام الخلفاء الراشدين، ولا في أيام الخلافة الأموية، ولا في العهد العباسي الأول، وإنما بدأت في الانتشار منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري مع ضعف الدولة العباسية، واستقلال بعض الولاة عن سلطان الخلافة في العاصمة، فظهرت الدويلات المستقلة عن الدولة العباسية مثل الدويلات: البويهية، والسامانية، والغَزنوية، والسلجوقية، والطولونية، والإخشيدية، وغيرها من الدويلات التي حكم أمراؤها عن طريق القوة والقهر، ولم يكن الخليفة ليملك معهم إلا إِقراراهم على تلك الدويلات كأمر واقع لا مفر منه، ولا مجال لنكرانه أو إبطاله؛ لئلا يئول الأمر إلى مزيد من التفرق والتمزق، وسفك الدماء.
شروط وواجبات أمير الاستيلاء:
يجب على أمير الاستيلاء نظير إقرار ولايته -كأمر واقع- أن يقوم ببعض الأمور ومنها: حفظ منصب الإمامة في خلافة النبوة، وتدبير أمور الملة؛ ليكون ما أوجبه الشرع من إقامتها محفوظًا، وما تفرع عنها من الحقوق محروسًا.