يقول البعض: إن علم عمر بمن نأى عنه -أي: بعد عنه- من عماله كعلمه بمن بات معه في مهاد واحد وعلى وساد واحد، فلم يكن في قطر من الأقطار ولا ناحية من النواحي عامل أو أمير جيش إلا وعليه عين لا يفارقه، فكانت ألفاظ من بالمشرق والمغرب عنده في كل ممسى ومصبح في ضوء ما ذكرنا ندرك أن عمر كان شديدًا وحازمًا مع عماله، وكانت هذه السياسة تعكس حرصه على ألا يفرى عمال الأقاليم من مال المسلمين، وهو حين أحسّ ذلك قاسمهم نصفها كما ذكرنا.
وكان عمر يسأل الرعية إذا وفدت للحجاز في موسم الحج عن حال أمرائه وسيرتهم فيهم فيقولون خيرًا فيقول: هل يعود الأمير مرضاكم يعني: يقوم بزيارة مرضاكم؟ فيقولون: نعم، فيقول: هل يعود العبد؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف صنيعه بالضعيف؟ يعني: كيف يتعامل مع الضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا: لخصلة منها: لا -عزله. يقول البعض في هذا الصدد: وإن عمر قد اتخذ موسم الحج كمؤتمر سنوي عام لمحاسبة الولاة أمام الرعية، وهنا يصل عمر في رأينا إلى قمة الفن في الحكم والإدارة، فلقد فرض الله الحج على المسلمين كركن من أركان العقيدة، يؤديه القادرون عليه ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معدودات، فهو موسم يلتقي فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، وإنها لعبقرية حقيقية من عمر وإلهام أصيل فيه أن يحاول الإفادة من هذه المناسبة لكي يقف بنفسه على أخبار رعاياه الذين لا يصلون إليه، وهكذا جرى طيلة خلافته على أن يجمع كل عام وأن يدعو إليه ولاة الأقاليم ليوافوه بمكة، وهناك يلتقي بالحكام والمحكومين وجهًا لوجه ويسمع من هؤلاء وأولئك ويؤدي أمانة الحكم كاملة.
وكان تفكير عمر قبل مقتله أن يجول على الولايات شخصيًا، كأنها نوع من الجولة التفتيشية على الأقاليم؛ لمراقبة العمال وتفقد أحوال الرعية والاطمئنان على أمور الدولة المترامية، فقد قال عمر: لئن عشت -إن شاء الله- لأسيرن في الرعية حولًا فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني -يعني: لا تصل إليّ- أما عمالهم فلا يدفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إلي فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى مكة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين، ثم والله لنعم الحول هذا.
وبهذا نكتفي بهذا القدر عن الحديث عن الإدارة في عهد عمر بن الخطاب.