ومن النظم الانتقالية أيضًًا، أو من أهم هذه المعالم للنظم الانتقالية أيضًًا في المدينة هو استخدام المصطلح الإسلامي: المهاجرين والأنصار للدلالة على الطلائع التنظيم الجديد في يثرب، واعتبار العقيدة، والدين سبيلًا للوحدة بدلًا من العصبية القبلية، ونظمها؛ فكان يقصد بالمهاجرين جميع المسلمين الذين هاجروا من مكة، دون نظرٍ إلى قبائلهم، أو عشيرتهم، كما صار هذا المصطلح الجديد وحدة تميزهم من دون القبائل التي كانوا ينتمون إليها من قبل.
وكذلك أصبح مصطلح: الأنصار علمًًا على مسلمي يثرب من الأوس، والخزرج دون نظرٍ إلى القبائل التي كانوا ينتمون إليها عن طريق العصبية، فالوحدة في العقيدة، والدين صارت هي القاعدة لنظام المهاجرين، والأنصار، وصارت هي السبيل إلى نبذ العصبية القبلية الضيقة الأفق، والإطاحة بكافة أسباب الفرقة التي اقترنت بالعصبية القبلية، وأصبح نظام المهاجرين، والأنصار -وما ارتبط به من نظام المؤاخاة- أصبح السبيل نحو بناء نظامٍ سياسي جديد، شملت آفاقه الواسعة هاتين المجموعتين، ثم صهرهما في وحدةٍ واحدة صارت تعرف باسم جماعة المؤمنين.
وجعلت تلك الجماعة الجديدة، ونظمها من يثرب بلدة جديرة أن تدعى باسم مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- دلالة على الدور الهام الذي قام به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بناء هذا نظام الإسلامي الجديد، ودعم أوتاده في تلك البلدة؛ فودعت يثرب الحياة القبلية، واستقبلت عهد الإسلام بنظمه، وتعاليمه السامية، وصارت -في ظل هذا العهد الجديد- محط أنظار الجميع، يلتمسون في قيادة نبيها الكريم ما يهديهم سواء السبيل، وغدا الجميع يطلقون عليها -في هذا العهد الجديد-: مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الاسم الذي تذكر به اليوم، ويردده الجميع تكريمًا باسم المدينة المنورة.