وأسفر اجتماع الملأ الذي انعقد في دار الندوة عن أن يكون قتلهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- قتلًا جماعيًا يشترك فيه فتًى من كل بطنٍ من بطون قريش حتى يتفرق دمه بين القبائل، وتعجز عشيرة الرسول عن حربها جميعًا، وتقبل الدية، ولكن هذا التفكير القبلي ثبت أنه عاجز عن ملاحقة التطورات التي صاحبة التنظيمات السياسية التي، وضعها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إذ استطاع النبي هدم هذا المخطط القبلي الشامل، ونجح في الهجرة إلى يثرب حيث بدأ صفحة أوسع، وأروع في ميدان النظم الإسلامية، وتطوير منجزاتها، وأهدافها، وسوف نتكلم الآن عن نظام جماعة المؤمنين في المدينة، أو التنظيمات التي وضعها النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة لدولة الإسلام.

النظم الانتقالية: سار الرسول الكريم بعد الهجرة إلى يثرب على نفس أسلوب التدرج، والتطور في نشر الدعوة الإسلامية برغم ما تطلبته تلك المرحلة من تنظيمات أوسع، وأكثر مما قام به في مكة، واتضح في هذا الدور الجديد ما تحلى به الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من مواهب سياسية، وخبرة عميقة بالتطور الثقافي لأهل يثرب، وذلك بصورة لا تقل روعة عما أظهره في مكة من مثالية كاملة في الجهر بالدعوة، ومن شجاعة نادرة في التعاليم، أو في الدفاع عن تعاليم تلك الدعوة، ونظمها التي اختلفت تمام الإتلاف عن النظم القبلية الراسخة الأوتاد.

واتسمت تنظيمات الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في يثرب بالقدرة الفائقة على الجمع بين التخطيط، والتنفيذ، سواء في الحالات التي فرضها عليه الأمر الواقع، أو تلك التي جاء بها القرآن الكريم تنزيلًا من عند الله العزيز الحكيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015