كما يضع تبارك وتعالى -وهو العليم بطبائع البشر، الخبير بأعمالهم- المقاييس الحق، والموازين القسط لأعمال الناس، يحاسبهم على مقتضاها يوم القيامة إن ثوابًا أو عقابًا؛ وفي هذا يقول جلت قدرته، وسمت حكمته: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء: الآية: 47) {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} (الأعراف: 8، 9).

وعلى ضوء هذا الهدي القرآني في وضع موازين العمل، يتعين علينا أن نضع معدلات للأداء، ومقاييس للأعمال في حياتنا الدنيا؛ لكي تكون مساءلتنا عنها ومحاسبتنا عليها موضوعية ودقيقة، وإحكامًا للرقابة والمسئولية ينبغي أن تحصى الأعمال وتسجل الإنجازات بدقة أولًا بأول؛ فتدون في تقارير وصحائف منشورة؛ ولذا يقول الحق -تبارك وتعالى-: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (الإسراء:13، 14) كما يقول -سبحانه وتعالى-: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف: 49).

هذه هي المقومات الإسلامية الأساسية التي ينبغي مراعاتها في وضع وتطبيق أفضل نظم الرقابة والمتابعة؛ والذي يسعى الفكر الإداري المعاصر إلى بلوغها، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يراقب ولاته وعماله، فقد اشتكى وفد عبد القيس لعلَّاء بن الحضرمي والي النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم، وبعد أن استمع إليهم، وتحقق من صحة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015