ونبدأ الآن في الحديث عن توجيهات الفكر الإداري الإسلامي:
فنقول: إن أهم مصدرين للفكر الإداري الإسلامي هما: كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إذ أن ما جاء في هذا المصدرين لمما يؤكد ذاتية الفكر الإداري الإسلامي، الذي لا ينحاز للفرد على حساب الجماعة، كما في الفكر الرأسمالي، ولا ينحاز للجماعة على حساب الفرد كما في الفكر الاشتراكي، بل نجده بين ذلك قوامًا، إذ يحققان في توافق تام صالح الفرد وصالح الجماعة، ولا يسمح الإسلام بطغيان أحدهما على الآخر فلا فردية مطلقة، ولا جماعية مطلقة، وهو الاتجاه الرشيد الذي تنشده الإنسانية في عالم اليوم.
وحسبنا أن نورد فيما يلي نماذج للهدي القرآني والنبوي في هذا الصدد وذلك في مجالين: مجال التنظيم الإداري، ومجال إدارة الأفراد العاملين.
فبالنسبة للتنظيم الإداري نقول: عُني الإسلام بوضع ضوابط التنظيم السوي للعمل، باعتباره محور التنظيم الإداري للجماعة ونشاطاتها، وذلك على النحو الذي يكفل نمو المجتمع وتقدمه في شتى مجالات الحياة؛ وبما يعكس ذاتية الفكر الإداري الإسلامي في هذا الصدد، وهو ما نكشف عنه في الموضوعات التالية:
أولًا: العمل فريضة إسلامية:
ولذا أمرنا الله جميعًا بالعمل، إذ يقول سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة: 105) ويخاطب رسوله الكريم في هذا الخصوص بقوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَب} (الشرح: 7) وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: ((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا)) ويشيد -صلوات الله وسلامه عليه- بالعاملين فيقول: ((من أمسى كالًّا من عمل يده -أي: مجهدًا- أمسى مغفورًا له)).