القبائل في الكعبة، وصرف تجار تلك القبائل وأهلها عن بيتهم العتيق، وأشار القرآن الكريم إلى الصراع الذي دار بين الملأ وبين الرسول حول هذا الأمر في قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 57 - 58)

ودار الصراع بين الملأ والرسول الكريم على مراحل كشفت نتائج كلٍ منها عن أن النظام القبلي قد فقد سطوته وأن ما أظهره من مقاومةٍ إن هي إلا صحوة الموت، على حين أن النظم الإسلامية تحمل من الفتوة من السمو ما يبشر بطلائع مجتمع عالميٍ جديد، ولذلك كتب الله -تبارك وتعالى- النصر لهذه الدعوة، وهكذا استطاعت التعاليم الإسلامية أن تحقق لصمود أتباعها أمام ملأ قريش مبدءًا جديدًا وهو أن واجب الفرد لم يعد يقتصر على قبيلته، وإنما صار يشمل المؤمنين بالدعوة الإسلامية على اختلاف الأصول القبلية التي ينتمون إليها، وبدأ هذا المفهوم الجديد يهز الحياة القبلية كلها برغم صلف قريش وضراوة الملأ فيها للدفاع عن بقاء تلك الحياة القبلية، ولم يعد أمام الرسول الكريم في نفس الوقت من سبيل سوى نقل هذا المفهوم والدعوة التي استند إليها هذا المفهوم إلى ميدان جديد، أشبه بالشكل من النبات الذي لا بد من غرسه في أرض جديدة تكون أكثر ملائمة لنموه وازدهاره، إذ اتضح للرسول الكريم أن بيئة مكة قد أصبحت بعناد ملأ قريش له معقلًا للنظم القبلية وعصبيتها الجاهلية، وأنه لا بد من البحث عن تربة جديدة غير تربة قريش، ولذلك اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة المنورة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015