وإذا كانت الطاعة واجبة وكفلها الشارع بنصوص قاطعة على جميع الأمة فإن المقصد الأساسي من وراء هذا الوجوب هو أن تتمكن السلطة العامة من تحقيق مقاصد الشرع من حقوقه، يتحتم عليها كفالتها ومراسم يتحتم المحافظة عليها، فممارسة السلطة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما حتمه الشارع من قواعد وأحكام وما ابتغاه من وراء إيجاب الطاعة على كل الأمة بحيث إذا خرجت السلطة العامة عن نطاقها الذي رسمه الشارع لا تكون الطاعة عندئذ لازمة، وبمعنى أدق فهي غير جائزة، وهو ما انتهى إليه المفسرون من تفسيرهم لقول الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} حيث قرروا أن الطاعة المفروضة للحكام ليست طاعة أصلية واجبة ابتداءً، وإنما هي طاعة تبعية ترتبط أساسًا بطاعة الحكام لله وللرسول، وهو ما يستفاد من تكرار الأمر في وجوب طاعة الله وطاعة الرسول، ولم يتكرر عندما أمر بطاعة أولي الأمر، وهو ما يوضح أن هذه الطاعة مستمدة أساسًا من طاعة الحاكم لله وللرسول، بالتزام أوامرهما والكف عن نواهيهما والعمل على تحقيق وكفالة غايات الشارع وأهدافه، وكقاعدة حاسمة لا يجوز التردد في قبولها فإن ذلك يعني أن الطاعة ليست واجبة إلا في حالة التزام السلطات العامة بقواعد المشروعية في الفقه الإسلامي، ولا تكون واجبة فيما وراء ذلك وإنما يكون الواجب على المسلمين في هذه الحالة هو الردّ والإنكار، ويتحقق ذلك في حالة ما إذا كان الأمر الصادر من السلطات العامة وقع مخالفًا بدليل قطعي من نصّ أو إجماع أو قياس جليّ، أو كان مخالفًا بدليل ظنيوالحاكم غير مجتهد ولم يجر المشاورة فيما أصدره من قرارات مخالفة بذلك واجب الشورى، وما ارتأته غالبية علماء الأمة وفقهائها في هذه المسألة،