فوق أن السلطة العامة في الدولة الإسلامية لا يتثنى لها كفالة حقوق الأمة ما لم يلتزم أفراد الأمة بقراراتها وتصرفاتها التي تجريها في نطاق أحكام الشريعة الإسلامية، وإذا كانت السلطة العامة لا تستطيع كفالة حقوق الله -عز وجل- وحقوق الأمة إلا إذا كانت واجبة الطاعة -إلا أن هذه الطاعة ليست مطلقة وإنما حدّد الشارع نطاقها بقيود وقواعد تحول دون خروجها عن النطاق المرسوم لها، وسوف نتعرض أولًا لمصادر مشروعية واجب الطاعة الذي تلتزم به الأمة، ثم نبين بعد ذلك نطاق هذا الواجب.
مصادر مشروعية واجب الطاعة:
الطاعة المفروضة للسلطة العامة تضافرت الأدلة في مصادر المشروعية على ثبوتها بنصوص قاطعة سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة أو الإجماع، ففي القرآن الكريم يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: من الآية: 59) فهذه الآية حسبما انتهى إليها المفسرون والفقهاء توجب الطاعة لأولي الأمر من الأئمة والولاة؛ وذلك لصحة الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطاعتهم فيما لله وللمسلمين مصلحة.
والأدلة في السنة كثيرة وتوجب جميعها طاعة أولي الأمر من المسلمين، ومن هذه الأدلة قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يأمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي)) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((من كره من أميره شيئًا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا فمات مات