وكلام الماوردي هذا في غاية الروعة وفي منتهى التحقيق والدقة، إذ ينطبق على واجب الإمام في المحافظة على ما أجمع عليه السلف الصالح من الدين وإطلاق الحرية للأمة فيما وراء ذلك لتجتهد ما وسعها الاجتهاد، وعلى الإمام إذا لم يكن من أهل الاجتهاد أن يستشير أهل العلم ليبين أمره على خير وجه، فقد كان هذا دائمًا صنيع سلف هذه الأمة، حوار دائم ومشاورة بين الحكام والعلماء، وفي بعض الأحيان كان العلماء يطيعون الحكام فيما يخالف اجتهادهم من أمور إذا لم يصادم ذلك نصًّا قطعيًّا من الكتاب والسنة، أو يتعارض مع ما أجمع عليه السلف، ولذلك لم يوافق العلماء الحكام على القول بخلق القرآن، ومحنة الإمام أحمد بن حنبل في هذا الصدد معروفة مشهورة.

وتقرير مسئولية الدولة في النظام الإسلامي على هذا النحو وإن كانت تتجافى مع ما تقرر في النظام البرلماني الذي يعتبر أن رئيس الدولة لا يحكم ومن ثم فهو غير مسئول، سواء في مواجهة الشعب أو في مواجهة ممثليه، وإنما تقع المسئولية على الوزارة باعتبارها سلطة التنفيذ أمام السلطة التشريعية التي تراقب تطبيق المبادئ الدستورية -إلا أن النظام الإسلامي يشبه ما هو معروف في النظام الرئاسي، الذي يعتبر رئيس الدولة هو المسئول الأول أمام الشعب أو أمام ممثليه في البرلمان، وهو الذي يقوم بتولية وزرائه وإعفائهم وهم مسئولون أمامه مسئولية تامّة.

الوظيفة الثانية لرئيس الدولة أو للإمام الأعظم: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين؛ حتى تعمّ النصرة فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم، وقد رأينا سلفًا أن الأئمة في صدر الإسلام كانوا يتولون القضاء بأنفسهم، وأول من جعله إلى قضاة مخصوصين الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015