خامسًا: كما أننا لا نقبل تفسير النصوص التي استدل بها المشترطون للعدالة على أنها تعني أن العقاب كان نتيجة ترك المعروف وإتيان المنكر، دون أن تحول من قيامهم به؛ لأنه -كما سبق أن أكدنا- لا نسلم مطلقًا بأن يُعطى الحق لمن لا يكفله، والسلطة لمن هو واجب أن تمارَس السلطة عليه، وأن نجيز لشخص كفالة تطبيق القانون وهو الذي يخالف القانون وينتهكه.

سادسًا: وأن هذا الواجب، وقد ربطه الشارع بالإيمان، بل إنه ميزه بالتقديم على الإيمان لأهميته وضرورة كفالته في الأمة، فلهذا الواجب -وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- قدّمه الله -تبارك وتعالى- على الإيمان، وجعله من أوصاف المؤمنين الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، كما الصفة المميزة لهذه الأمة عن غيرها من الأمم غير الإسلامية؛ ومن ثم يحتِّم ذلك كله أن يكون من يمارس هذا الحق ممتثلًا لما يأمر به الشارع، متنزهًا عمّا ينهى عنه؛ فالإسلام كلٌّ لا يتجزأ، ولمن ينهي عن فعل فأولى به أن ينهي نفسه أولًا، ويكف عنه، وقبل أن يأمر الغير فأولى أن يبدأ بأمر نفسه.

الشرط الرابع من الشروط الواجب توافرها في الذي يمارس الحسبة أو يمارس الرقابة: القدرة:

يشترط فيمن يقوم بالرقابة الحسبة أن تتحقق لديه الاستطاعة والقدرة لممارسة هذا الواجب، على وجه لا يؤدي إلى فساد عظيم في نفسه، أو ماله، أو أهله، وقد بيّن الحديث الشريف نطاق القدرة البشرية على نحو يؤدّي إلى كفالة هذا الواجب واستحالة خروجه عن نطاق القدرة البشرية، عندما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)).

فمن لا يستطيع الإنكار باليد فأمامه وسيلة تحقيق هذا الواجب بالإنكار بالقول، ومن لا يكون له في استطاعته الإنكار بالوسيلة الأخيرة فلا حسبة عليه باليد أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015