إذن المسألة خلافية -كما قلنا- بعض الفقهاء يقولون بأنه يشترط في المحتسب أو الذي يقوم بالرقابة أن يكون عدلًا، واستدلوا بالآيات التي ذكرناها ومنها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} وهذا ينطبق على غير العدل إذا أراد أن ينهي غيره عن ذنبه. ووجدنا الرأي الثاني، ومن أنصار هذا الرأي الإمام الغزالي، وقد ذكر ذلك بالتفصيل في كتابه (إحياء علوم الدين) وهو يبين أن واجب الرقابة أو أن المحتسب لا يشترط فيه العدالة ... لماذا؟ قال بأن النصوص جاءت عامةً، النصوص التي تطلب من المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إنما هي جاءت عامة، لم تميز بين فاسق وغير فاسق، لم تميز بين عدل وغير عدل، هذا بالإضافة إلى أننا لو اشترطنا فيه العدالة فمعنى ذلك أننا نشترط عصمته من الزلل ومن الخطأ، وهذا لم يقل به أحد.
نقول: يقرر الغزالي بأن الإجماع انعقد على وجوب الحسبة على كل مسلم، وقد ذهب إلى هذا الرأي أيضًا بعض الفقهاء؛ حيث يرون أنه لا يشترط في المحتسب أن يكون كامل الحال، ممتثلًا لما يأمر، مجتنبًا عما ينهي، بل عليه الأمر، وإن كان مخلًّا بما يأمر به، وفي هذه الحالة يجب على المحتسب أمران:
الأول: أن يأمر نفسه ابتداءً بالمعروف وينهاها عن إتيان المنكر.
الثاني: أن يأمر غيره وينهاه عن ذلك أيضًا.
إذا أخل بأحدهما فلا يستساغ القول بإهدار الواجب لآخر.
ويرى البعض أن الاتجاه الثاني، وهو القائل بأنه لا تشترط العدالة، يرى البعض أن هذا الاتجاه هو الصحيح؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة الرأي الذي يشترط العدالة، كما يذهب هذا الرأي إلى أن الأدلة التي استدل بها أصحاب الاتجاه الأول لا تصلح حجة في عدم جواز قيام الفاسق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك لكون الآية الأولى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} تنكر عليهم تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنها لا تحول دون قيامهم به، يعني كأنهم يقولون: هذه الآية ليست صريحةً في منع الفاسق من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الآية الثانية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا