ثم نتكلم الآن عن الحقوق والحريات الاجتماعية في النظام الإسلامي فنقول:
بعد أن قامت الثورة الصناعية في أوربا في نهاية القرن الثامن عشر، وظهرت الرأسماليات الضخمة، وقامت المشروعات الكبرى، وبرز التفاوت بين طبقة الملاك وطبقة الأجراء، كان من اللازم أن تتدخل الدولة الحديثة؛ لتحمي العمال والضعفاء اقتصاديًّا تجاه الملاك وأرباب العمل، بما يضمن تحقيق مستوى معيشي كريم لهؤلاء العمال، وخصوصًا في فترات مرضهم، وعجزهم، وبطالتهم، وتطلق الدساتير الحديثة على هذه المجموعة من الحقوق اسم "الحقوق الاجتماعية" وقد حظيت هذه المجموعة من الحقوق بعناية الشارع الإسلامي منذ نشأة الإسلام، وقبل أن تعرفها الدساتير الحديثة بمئات السنين؛ وذلك لأن التشريع الإسلامي تشريعٌ متكاملٌ، يواكب الأحداث والمستجدات، فهو يشرع منذ ما يقرب من قرن ونصف من الزمان ما تهتدي إليه البشرية اليوم، وتتأسس قائمة الحقوق الاجتماعية في النظام الإسلامي على اعتبار أن المؤمنين جميعًا كالجسد الواحد، فيجب لذلك أن يكون مجتمعهم متآخيًا، متعاطفًا، متحابًّا، متراحمًا، تسوده العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويتعامل بالأخلاق والمثل، ويسوده الرباط الإيماني بين أفراده، ويكون مسئولًا أفرادًا ودولةً عن كل فرد فيه: يمرض، أو يجوع، أو يعرى، أو يعجز عن العمل، أو يقع عليه أي شيء من ظلم اقتصادي أو اجتماعي، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، ما دام آدميًّا يقيم في دولة المسلمين.
وسوف نذكر فيما يلي بعض النماذج التي تحقق مجالات العدالة الاجتماعية في لنظام الإسلامي: