كان الخلفاء المسلمون يقرّبونهم إليهم في كثير من الأمور، ويحسنون معاملتهم، ويسندون إليهم مناصب هامّةً في الدولة، حتى إن الخليفة هارون بن الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة "يوحنا بن ماسويه" وهذا دليل على أنهم كانوا يعامَلون معاملةً طيبةً؛ وبناء على ذلك فما يوجد أحيانا من اضطهاد لغير المسلمين، أو معاملتهم بغير كرم، يعتبر تجاوزًا لأحكام الإسلام وخروجًا عليها، وهو يرجع في المقام الأول لأسباب سياسية لا دينية؛ لأن أوربا المسيحية نفسها هي التي بدأت واستثارت حفيظة المسلمين منذ تلك الحروب المدمرة، التي نظمتها تحت راية الصليب، وانتهكت بها حرمة المسلمين ومقدساتهم.
تبقى مسألة مهمة يجب أن نعالجها في هذا المقام، وهي تجريم الردة عن الإسلام، وتقرير عقوبة بشأنها؛ مما حمل بعض أعداء الإسلام على اتهامه بالتعصب:
وفي الواقع إن حرية العقيدة كمبدأ مقرّر في الإسلام منذ نشأته -كما سبق أن ذكرنا- ولا إكراه على الدخول في الدين بنص القرآن، ولكن حينما يدخل بعض الناس في الدين خداعًا ويخرجون منه ضرارًا، فماذا ينتظر من الإسلام؟ ماذا ينتظر منه أن يفعل مع هؤلاء إلا أن يضرب على أيديهم؟ وإلا فقد رأينا أن الإسلام يكفل للذميين وغيرهم في دولته ممن يختارون الإقامة في كنف المسلمين، يكفلونهم مستوًى رائعًا من الحقوق؛ بحيث يكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فلماذا إذن يتركون دينهم ويدخلون في الإسلام ثم يخرجون منه بعد ذلك؟! إن المنطق يفرض بطبيعة الحال أن يكون الغرض من وراء ذلك هو إحداث الفتنة بين المسلمين، والإساءة إلى دولتهم ودينهم، كما قال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (آل عمران: الآية: 72).