ذلك أن الولاية أمانة في الإسلام، وكل مؤتمن مسئول عما ائتمن عليه؛ لذلك فالخليفة مسئول عما اؤتمن عليه من حقوق الأمة، إلا أن مسئولية الخليفة أوسع نطاقًا وأوسع مدى من مسئولية الأفراد جميعًا؛ لأنها ثقيلة، بقدر ثقل الواجبات الملقاة على عاتقه وتنوعها، فإنها أيضًا تشمل مسئوليته عن كفالة كل ما هو أساسي وحيويّ بالنسبة لكل المسلمين؛ ولهذا فإن النصوص أكدت بأن أشد الناس عذابًا يوم القيامة إمام جائر؛ ولهذا نجد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يضاعف مسئولية أهله عن مخالفة ما يسنّ للمسلمين من الأوامر.

وفي هذا الصدد يروي ابن سعد عن عبد الله بن عمر: كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: لا أعلمنّ أحدًا وقع في شيء مما نهيت إلا أضعفت له العقوبة. ولم يكن ذلك إلا لأن عمر كان يعتبر الخليفة هو القدوة الحسنة لكل المسلمين، وإذا لم يكن الخليفة وأهل بيته هم أول من يحترم القانون وينصاع إليه؛ فإن ذلك سيؤدي إلى استهانة كل المسلمين بقواعد القانون، وذلك يتفق مع قوله -رضي الله عنه-: "إن الناس لم يزالوا مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم" قوله: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإذا رتع الإمام رتعوا" أي أنه إذا أطاع الله -تبارك وتعالى- أطاعته الرعية، وإذا عصى الله -تبارك وتعالى- عصته الرعية، فعلى قدر صلاح الإمام، واحترامه لنصوص القانون وخضوعه له، تكون الرعية؛ لذلك فإن الشريعة الإسلامية تشددت في تقرير مسئولية الحكام؛ لأنه في حالة عدم احترام القانون، والإقدام على مخالفته من قبل الحاكم؛ فإن هذا يؤدي إلى خلل جميع الأجهزة في الدولة، وإلى أن يستشري الفساد في البلاد، وإلى عدم امتثال الرعية لحكم القانون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015