وبالنسبة للصورة الأخرى من صور العدالة أي: العدالة التعويضية أو التبادلية، فهي تلعب دورًا تصحيحيًّا في العلاقات التي تتم بين الأفراد وتتطلب ألا يأخذ أحد في العقود والمعاوضات أكثر مما يستحق، وعليها تم بلورة ضرورة قيام توازن مالي واقتصادي في العقود، والصفقات ونرى هذا المقصد واضحا أيضا بشكل معجز في القرآن الكريم، والسنة الشريفة.

فالقرآن الكريم يمنع أي استغلال في التعامل، ويوجب أن تقوم العقود على أسس متوازنة، ولا شك أن حرص القرآن الكريم على سلامة التعامل والتوازن بين أطرافه لا يواتيه أي حرص لأي مشروع آخر في أي قانون، ولن ننظر طويلا في التشريعات الإسلامية في هذا الشأن، وإنما سأكتفي بما ورد بشأن الربا في القرآن يقول -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 275) ويشدد الله -سبحانه وتعالى- النكير على من يأكلون الربا، فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (البقرة: 278، 279).

ويصل القرآن الكريم بالناس إلى قمة المسئولية في هذا المجال، فلا يجعل المال ينتج مالا في حالة التأخر في السداد لعذر فيقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (البقرة: 280، 281).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015