وإذا كان الكل سوف يأمرون بالمعروف، وسوف ينهون عن المنكر، فمن إذا سيأمرون، ومن إذا سينتهون، ونجد مثل هذا الرأي كذلك عند ابن كثير الدمشقي، فهو يقول في تفسير نفس هذه الآية: إن مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعد واجبا على كل فرد بحسبه أي: بحسب مقدرته، إلا أن من يقصدون بهذه الآية هم خاصة الصحابة، وخاصة الرواة أي: المجتهدين والعلماء.
ومما تقدم نرى خطأ ما يراه بعض رجال العلم من أن الإسلام يفرض الأخذ بنظام الانتخاب العام، باعتباره من مقتضيات أو نتائج مبدأ الشورى الذي فرضه الإسلام على أنه مما تجدر ملاحظته أنه، إذا لم يكن في القرآن ولا في السنة ما يفرض الأخذ بنظام الانتخاب العام، فإنه ليس ثمة ما يحول في بلد إسلامي دون الأخذ بهذا النظام إذا اقتضت المصلحة ذلك؛ لأن تفصيل النظم الدستورية، والطرق التي تكون بها الشورى، هو من الأمور التي تختلف باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية فمن الحكمة، واليسر بالناس أن نجد الإسلام بعد أن قرر الشورى قد ترك لكل أمة أن تضع نظمها التفصيلية بما يلائم حالها، ويتوافق مع مصلحتها.
ففرق كبير إذا بين الرأي الذي نعارضه، وهو القائل بفرض نظام الانتخاب العام في كل زمان، ومكان وبين هذا الرأي الذي ذكرناه من أنه ليس ثمة ما يحول بين المسلمين، وبين الأخذ بنظام الانتخاب العام، إذا رأوا مصلحتهم فيه.
فإن الرأي الذي عرضناه يجعل من نظام الانتخاب العام مسألة دينية واجبة، أما ما نؤيده فهو اعتبار هذا النظام مسألة اجتماعية سياسية وبذلك تنتفي عن الشريعة الإسلامية صفة الجمود، ويستبين جوهرها الذي يتسم فيما يتعلق بالمعاملات بسمات المرونة، ومسايرة التطور ومراعاة المصلحة.