ونخلص من هذا أن عدم دلالة شيء من النصوص الواردة للكتاب، والسنة على أحكام السياسة الشرعية تفصيلا لا يضر، ولا يمنع من أن السياسة الشرعية بكونها شرعية، يعني -كما قلنا- ليس بلازم أن تكون المصلحة منصوص على حكمها في الكتاب، أو في السنة، ولكن يكفي فقط أن تحتويها السياسة الشرعية، أو على المبادئ العامة، والأحكام العامة للشريعة الإسلامية، فما دامت هذه الوقائع -كما قلنا- متفقة مع الضوابط العامة، والأحكام الشرعية؛ فنأخذها.
أما الذي يضر، ويمنع من ذلك أن تكون تلك الأحكام هي أحكام السياسة الشرعية مخالِفةً مخَالَفةً حقيقية لنصٍ من النصوص التفصيلية.
أقول: يعني معنى ذلك أحكام السياسة الشرعية مأخوذ بها، ونأخذ بها ما دامت لم تتعارض مع نص تفصيلي، ما دامت لا تتعارض مع نص من نصوص الكتاب، أو نص من نصوص السنة، أو من الإجماع فنأخذ بها.
لكن إذا كانت هذه أو كانت هذه الأحكام التي تقولها السياسة الشرعية مخالفة مخالفةً حقيقية لنص من النصوص التفصيلية -ونقصد بالنصوص التفصيلية الأحكام التفصيلية التي تحدث عنها علم أصول الفقه، وهي الأدلة الإجمالية مثل: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس- فإذا كانت هذه الأحكام أحكام السياسة الشرعية قد خالفت حكما من الأحكام التي نص عليها الكتاب، أو الأحكام التي نصت عليها السنة، أو الأحكام التي نص عليها الإجماع، أو القياس؛ في هذه الحالة لا نأخذ بها؛ لأنها لا تعتبر سياسة شرعية في هذا الأمر.
نقول: فمتى سلمت هذه المخالفة، وكانت متماشية مع روح الشريعة، ومبادئها العامة؛ كانت نظامًًا إسلاميًا، وسياسةً شرعية -يعني: حتى ولو كانت هناك مخالفة،