وأيضًا: استحسان الضرورة، بمعنى: مخالفة حكم القياس لضرورة أو مصلحة دفعًا للحرج وسدًا للحاجة، ويكون ذلك عندما يؤدي تطبيق القواعد القياسية العامة إلى الوقوع في الحرج والمشقة.
ومثال ذلك أن الأمين أو الوديع لا يضمن ما تلف بيده من غير تقصير، ومثله في ذلك المستعير والمستأجر والأجير، ولكن الحنفية فرقوا بين الأجير الخاص والأجير المشترك، الأجير الخاص: هو الذي يعمل عند فرد بعينه، أما الأجير المشترك: فيعمل عند عدد من الأفراد.
نقول الحنفية فرقوا بين الأجير الخاص والأجير المشترك وجعلوا الأجير المشترك كالصباغ والخباز والترزي ونحوهم جعلوه ضامنًا لما بيده، لماذا؟
على الرغم من أن ذلك يعارض القاعدة التي تقول: بأن المستأجر والأجير إنما هو أمين، خالفوا هذه القاعدة استحسانًا؛ حتى لا يهمل هذا الأجير عمله ويؤدي ذلك إلى إتلاف السلعة، ما لم يكن الهلاك أو التلف لأمر لا دخل له فيه، ولا يمكنه التحرز عنه كالحريق ونحوه.
وإذا تقرر لنا أن الاستحسان مصدر شرعي معتبر على المعنى الذي قدمناه فهو ينطوي على نوع من المصلحة؛ لأنه كثيرًا ما يؤدي إعمال القواعد القياسية العامة إلى إهدار بعض المصالح أو مخالفة بعض المبادئ الشرعية المقررة، فعندئذ يكون الاستحسان من ألزم اللزوميات للخروج من هذا المأزق؛ تحقيقًا للمقاصد الشرعية، واحترامًا للمصالح المرعية، بلا فرق في هذا الصدد بين أن يكون الحكم المأخوذ فيه بالاستحسان من قبيل الأحكام الدستورية والسياسية أو من غيرها؛ لأن الشريعة كما ذكرنا سابقًا لا تعرف فارقًا كهذا بين حكم شرعي وحكم شرعي آخر، ومادام المصدر يصلح كدليل يحتج ويستنبط منه الحكم فيستوي في