إن الإجابة على هذا السؤال تكاد تبدو بدهية لا صعوبة فيها، إذا ما عرفنا -كما قلنا غير مرة-: أن هذه الأحكام هي جزء من الأحكام الشرعية بصفة عامة، ومصادر الشريعة التي من بينها الإجماع تستقى منها الأحكام الشرعية مطلقًا، سواء كانت هذه الأحكام من قبيل التشريعات العادية بلغة أهل القانون أم كانت من قبيل التشريعات السياسية والدستورية، فليس في الشريعة مجال لتصنيف الأحكام على النحو المقرر في القانون إلى: أحكام القانون الخاص التي تكون منظمة لعلاقات الأفراد فيهما بينهم، وأحكام القانون العام التي تنظم علاقة الأفراد بالدولة التي تحكمهم، وبطبيعة الحال يكون للنوع الأخير بعض الأهمية من حيث خطورة المسائل التي يعالجها، وهو ما أوقع البعض على أن يقول بأن الإجماع لا يكون مصدرًا من المصادر التي تستقى منها الأحكام الدستورية والسياسية.
لكن الإجماع باعتباره مصدرًا شرعيًا يصلح لإثبات كافة الأحكام الشرعية به، وقد أجمع الصحابة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على وجوب الإمامة، وتلك مسألة من أخص خصائص القانون الدستوري والسياسي، فقد ذكر ابن خلدون في (المقدمة) أن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بادروا إلى بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعًا على وجوب نصب الإمام.
وحتى ولو سلمنا بصعوبة انعقاد الإجماع بعد عصر الصحابة -كما ذكرنا سلفًا- فقد ذكر العلماء أن الإمامة مادامت تحصل بالاختيار والبيعة؛ فإنها لا تفتقر إلى إجماع من جميع أهل الحل والعقد، بل يأتي أو يكفي في ذلك رأي واحد أو