وكثرة عددهم، واستقلال كل منهم باجتهاده في بلده، وهو ما جعل الاجتهاد يتسم بالصورة الفردية.
ومن هنا تعثر انعقاد الإجماع، ولم يكن ميسورًا ولا سهلًا وقوعه، وهو ما جعل ابن حنبل والشافعي أيضًا يؤثرون على تعبير الإجماع، أن يقال: لا نعلم في المسألة خلافًا يعني: الإمام الشافعي وابن حنبل كانوا يعني يفضلون أن يعبروا عن الإجماع بقولهم: لا نعلم في المسألة خلافًا، لكن لا يعبرون بالإجماع، لماذا؟ كأنهم يرون: عدم تحقق الإجماع.
وأن من ادعى الإجماع يرون ذلك، فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، وقد يكون من المفيد أن ننادي مع البعض في هذا الصدد بضرورة الاعتناء بالمجامع الفقهية في هذه الأيام التي تضم جميع الفقهاء في العالم الإسلامي، حيث يكون لهذه المجامع أماكنها المعروفة، وتتهيأ لهذه الفرص المناسبة والإمكانيات اللازمة، ويسهل الاتصال فيما بينها، وتجتمع في أوقات معينة دورية ثم تعرض عليها المسائل والوقائع الجديدة لدراستها، وإظهار حكم الشرع فيها، ثم تنشر هذه الأحكام بواسطة الإذاعات أو المجلات أو الكتب الدورية؛ ليطلع الناس عليها ويبدي أهل العلم منهم رأيهم فيها؛ لاحتمال ألا يتيسر انضمام جميع الفقهاء إلى هذه المجامع، ثم تلاحظ المجامع الفقهية هذه الآراء المختلفة من أعضائها النظاميين، وممن هم خارجها، وإذا اتفقت أراء هذه المجامع على حكم -فيما بعد- كان من الممكن أن يكون هذا مثالًا لما يمكن تسميته بالاجتهاد الجماعي الذي يقرب من الإجماع الذي تحدث عنه الأصوليون، وإننا لنجد في هيئة كبار العلماء في مصر قبل إلغائها وفي مجمع البحوث الإسلامية الآن ما يمثل النواة لتحقيق هذه الفكرة التي ندعو إليها.