واستمر نزول القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تاسع ذي الحجة يوم الحج الأكبر للسنة العاشرة من الهجرة، والثالثة والستين من ميلاده -صلى الله عليه وسلم- وكان القرآن الكريم ينزل منجمًا مفرقًا؛ ليتثبت به فؤاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وليكون مواكبًا للأحداث التي كانت تمر بالمجتمع الإسلامي من بداية البعثة، إلى واخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة.
وقد مر القرآن الكريم -في نزوله- بفترتين متميزتين: هما الفترة المكية -وفيها نزل معظم القرآن- ويطلق على الآيات والسور التي نزلت بمكة: القرآن المكي، وتمتاز هذه الآيات والسور بكونها تهدف إلى تكوين العقيدة الصحيحة، وتنقيتها من الخرافات، والضلالات القديمة عن طريق الحجة، والمنطق.
ثم الفترة المدنية، وتمتد من الهجرة، وحتى وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيها اكتمل التشريع، ويطلق على الآيات والسور التي نزلت في هذه الفترة: القرآن المدني. ويمتاز التشريع في هذه الفترة ببيان الأحكام، والتكاليف الشرعية بعد أن أصبح المكلفون مهيئين لذلك بتصحيح عقيدتهم في الفترة المكية.
ولم يجمع القرآن الكريم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان مكتوبًا في الصحائف، ومحفوظًا في صدور الصحابة، وأول من قام بجمعه أبو بكر -رضي الله عنه- لما تولى خلافة المسلمين، وقُتل عدد كبير من الحفظة لكتاب الله تعالى في موقعة اليمامة.
ثم لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وتفرق الصحابة في الأمصار المفتوحة؛ خشي عثمان -رضي الله عنه- أن يختلف المسلمون في القرآن؛ فقام بعد استشارة الصحابة بجمعه للمرة الثانية، معتمدًا في ذلك على جهود أبي بكر السابقة، وكتب نسخًا متعددة من المصحف، ووزعها على الأمصار الإسلامية المختلفة، وأحرق ما عداه؛ حتى لا يختلف المسلمون في القرآن.