ومقتضى هذا: أن السياسة هي تجسيد للقاعدة الإسلامية المعروفة: بجلب المصالح ودرء المفاسد، دون التقيد بالنصوص في الكتاب والسنة، وإنما تلمس ما ينفع الناس، وينأى بهم عن المفاسد في ضوء الكتاب والسنة، وروح الشريعة، وأهدافها.
والسياسة -في رأي بعض المحدثين- تعني: تدبير الشئون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح، ورفع المضار، مما لا يتعدى حدود الشريعة، وأصولها الكلية -وإن لم يتفق وأقوال الأئمة المجتهدين.
إن المغزى الذي يتعين على الدولة الإسلامية أن تلتزم به فيما يختص بتصريف شئونها السياسة: هو عدم القابلية للتجزئة بين توجيه سياستها، وبين هُويتها الإسلامية، فالسياسة فيها تنتمي للدين، وتستظل في كنفه، ولعل هذه الحقيقة تتضح في العديد من الآيات القرآنية يقول تعالى: {إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (يوسف: من الآية: 40) وقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: من الآية: 50).
وهذا المغزى هو الذي ظل مهيمنًا على توجيه السياسة في الدولة الإسلامية طوال الفترة التي كان فيها للمسلمين المجد والعظمة، ولو أننا تأملنا مرتكزات السياسة الدينية الإسلامية؛ لاستبانت لنا فيما يأتي:
أولًا: الإيمان بالفكرة، والولاء للوحدة: إن هذا المرتكز -ولو أنه يتضمن عنصرين، وهما الإيمان بالفكرة، ثم الولاء للوحدة- إلا أن كل منهما وثيق الارتباط بالآخر.