وأيضًا فإن عدم المساواة بين المكلفين في المعاملة من جانب عمال الجباية كأن يحابى بعض المكلفين دون البعض من شأن ذلك أن يدعوا غير المحابين إلى التهرب من المقدار الواجب عليهم من الخراج، ومن أجل تفادي ما سبق نجد أن تعاليم الإسلام دعت إلى أن يكون عمال الجباية عادلين مع الممولين رفقاء بهم، وقد طبق عمر بن الخطاب تلك التعاليم بكل دقة، حيث كان لا يكتفي باختيار أفاضل الصحابة لتولي الخراج بل كان يرجع إلى الممولين أنفسهم؛ ليطمئنوه بأنهم لم يظلموا في أداء الخراج، فيروى أنه كان يجبى من العراق كل سنة مائة ألف ألف أوقية، ثم يخرج إليه عشرة من أهل الكوفة، وعشرة من أهل البصرة، يشهدون أربع شهادات بالله أنه من طيب ليس فيه ظلم مسلم ولا معاهد، فعشرون رجلًا يمثلون الممولين يشهدون بالله أربع شهادات أن هذا المال قد أخذ بالحق ولم يظلم فيه مسلم ولا معاهد من الممولين وهم لن يحلفوا إلا إذا كانوا متأكدين مما يحلفون عليه، ومن مصلحتهم ومصلحة من يمثلونهم أن يقولوا الحق، فتلك لا شك طريقة ناجحة لمراقبة ولاة الخراج بواسطة الممولين أنفسهم.
وقد ذكر أبو يوسف شروط من يقوم بجباية الخراج في قوله لأمير المؤمنين هارون الرشيد: ورأيت -أبقى الله أمير المؤمنين- أن تتخذ قومًا من أهل الصلاح والدين والأمانة فتولهم الخراج، ثم يقول: وتقدم إلى من وليت ألا يكون عسوفًا لأهل عمله ولا محتقرًا لهم ولا مستخفًا بهم، ولكن يلبس لهم جلبابًا من اللين يشوبه بطرف من الشدة، والاستقصاء من غير أن يظلموا أو يحملوا ما لا يجب عليهم، واللين للمسلم والغلظة للفاجر والعدل على أهل الذمة وإنصاف المظلوم، والشدة على الظالم والعفو عن الناس، فإن ذلك يدعوهم إلى الطاعة، وأن تكون جبايته للخراج كما يرسم له، وترك الابتداع فيما يعاملهم به، والمساواة بينهم في مجلسه ووجهه، حتى يكون القريب والبعيد والشريف والوضيع عنده في الحق سواء.