استقل ذلك فبعث إلى عامله هناك فأحصى الناس وحسب ما يكسب العامل في سنته كلها وطرح من ذلك نفقته في طعامه وأدمه وكسوته وطرح أيام الأعياد في السنة كلها فوجد الذي يحصل بعد ذلك أربعة دنانير لكل واحد، فألزمهم دفعها، فطرح النفقة في الطعام والكسوة من الممكن أن نعتبره من الحاجات الأصلية للمكلف، وهذا معناه أن ما يجب على المكلف بالجزية ينبغي أن يكون فيما زاد عن حوائجه الأصلية هو، ومن تلزمه نفقتهم كما هو الأمر بالنسبة للزكاة كما رأينا سابقًا، وهذا الإعفاء فيما نعتقد لا يتعارض مع مبدأ المساواة في هذا الشأن؛ لأن حاجة الإنسان مقدمة على حاجة غيره، وكذلك حاجة أهله وولده ومن يعولهم بمنزلة حاجة نفسه فكيف نطلب الجزية من المكلف الذي يحتاج إلى ما معه ويتعلق قلبه به لمسيس الحاجة إليه، وقد رأينا فيما سبق أن المقصود بالمساواة في هذا الصدد أن يتحمل كل فرد قدرًا من الأعباء المالية يتفق مع مقدرته المالية على الأداء، ولا شك أن الشخص الذي يكون في حاجة ماسة إلى المال الذي معه ليست لديه مقدرة مالية على أداء الجزية، وبالتالي فإعفاؤه منها لا يتعارض مع مبدأ المساواة بين المكلفين بالجزية في تحمل أدائها كل حسب مقدرته المالية، لكن مما تجب ملاحظته هنا أن الجزية لم تعد موجودة في العصر الحديث، يرى بعض الفقهاء أن الجزية تجب على أهل الذمة بدلًا عن عدم قيامهم بالدفاع عن الدولة الإسلامية حيث إنهم لا يصلحون للدفاع عنها بسبب كفرهم؛ لأنهم قد يميلون إلى من يحارب المسلمين لاتحادهم معهم في الدين، فالجزية تؤخذ منهم للإنفاق على الجنود الذين يدافعون عن الدولة الإسلامية، لكن إذا ظهرت صلاحية أهل الذمة للدفاع عن الوطن مع المسلمين، وذلك بإخلاصهم