أيسروا أو أعسروا لم يكن لك عليهم إلا ما يطيقون, وتم لك شرطك, ولم يبطل, فقبل ذلك أبو عبيدة.
فهذا يدل على أنه الأفضل ألا تحدد الجزية مبلغًا معينًا كل سنة على الجميع، وإنما ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف كل شخص, تبعًا لمقدرته المالية.
وأيضًا نجد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فاوت في مقدار الجزية, تبعًا لمقدار المال الذي يملكه الممول, فإذا كثر ماله زيد عليه مقدارها, وإن قل ماله نقص مقدارها, فقد زاد هذا المقدار على أهل الشام, وأهل العراق؛ لغناهم, وخفض هذا المقدار على أهل اليمن؛ لقلة مقدرتهم المالية.
والتفاوت في مقدار الجزية تبعًا للمقدرة التكلفية للممول, يعتبر من أرقى المبادئ التي تحاول أن تصل إليها النظم المالية الحديثة, بالنسبة للضرائب, وهو العدالة في الضرائب, فالتفاوت في المقدار الواجب إنما يؤدي إلى مراعاة المقدرة التكلفية للممولين, ويعتبر أساس فكرة المساواة التي روعيت فيها العدالة؛ لأن المساواة بين غير المتماثلين ظلم.
وقد روعيت ظروف المكلف بالجزية في نواح عدة, نتناول أهمها فيما يلي:
إعفاء غير القادرين من أداء الجزية:
إذا كنا قد رأينا من خلال الكلام عن المساواة في الزكاة أن ما دون النصاب يعفى من الزكاة, فإن الأمر لا يختلف بالنسبة للجزية, فهي لا تؤخذ من كل مال, بل أعفي منها المال اليسير الذي لا ينفي عن صاحبه صفة الفقر, ولا يثبت له وصف الغنى, فالجزية تؤخذ من عفو مال الذمي, وفي هذا يقول عبد الله بن عباس: ليس في أموال أهل الذمة إلإ العفو, يعني ما يزيد على ما يحتاجون إليه.