وقد أجاب أصحاب الرأي الأول على هذا الاعتراض، أو تلك المناقشة التي حدثت من الأحناف بأن: لفظ الخلطة أظهر في الخلطة نفسها منه في الشركة، وإذا كان الأمر كذلك فإن قوله- صلى الله عليه وسلم-: ((فإنهما يتراجعان بالسوية)) مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكم رجل واحد، وأنه يدل أيضًا على أن الخلطين ليس بشريكين؛ لأن الشريكين لا يتصور بينهما تراجع، إذ المأخوذ هو من مال الشركة؛ لأن الشركة تعتبر شخصًا معنويًّا له ذمة مستقلة عن المساهمين، وهنا تجب الزكاة في مال الشركة ككل، وبالتالي لا يتصور رجوع أحد الشركاء على باقي الشركاء بشيء.
وهذا التفسير للحديث هو ما رآه كثير من العلماء، واختاره أبو عبيد حيث قال: والوجه عندي في ذلك ما اجتمع عليه هؤلاء الذين يرون أن الحديث نهي للملاك والسعاة معًا؛ لأن العدوان لا يؤمن من المصدق -المالك- كما أن الفرار من الصدقة لا يؤمن من رب المالك.
والمصدق المقصود به هنا: هو عامل الزكاة، أو الذي يقوم بجباية الزكاة، كما أن الفرار من الصدقة لا يؤْمن من رب المال فأوعز النبي- صلى الله عليه وسلم- إليهما جميعًا.
ثم يقول أبو عبيد: وهو بيِّن في الحديث الذي ذكرناه عن سويد بن غفلة، حين حدث عن مصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن في عهدي ألاَّ أفرق بين مجتمع، ولا أجمع بين متفرق)) فقد أوضح لك هذا أن النهي للمصدق.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((حذار الصدقة)) أي: خشية الصدقة، كما في رواية البخاري بين لك أن النهي لأرباب الأموال.
إذن: هذا نوع أيضًا من الجمع بين الحديث هل المقصود أنه نهي للسعاة فقط ولا شأن له بالملاك؟ أم أنه نهي للملاك فقط؟ ولا شأن له بالسعاة؟ فإن قلنا بأنه نهي