صاحب النظام المالي للأمويين وقوع عدد من المفارقات الشاذة، جاء بعضها نتيجة مشاكل التطبيق عند عمال الخراج في الولايات، وجاء بعضها الآخر نتيجة مشاكل التطور الذي شهدته الدولة الإسلامية واتساعها، وتمثلت مفارقات النوع الأول في شطط عمال الخراج في جباة الضرائب، ومعنى شططهم في جباية الضرائب: أنهم كانوا يأخذون أكثر من المقرر، ذلك فيه ظلم شديد للممولين، أو دافعي هذه الضرائب.
على حين حدثت مفارقات النوع الثاني بسبب سياسة الأمويين في إغداق الامتيازات المالية على أنصارهم، وآل بيتهم، ثم بسبب تخبط السلطات الأموية في مواجهة التطور الذي اقترن بدخول أهالي الولايات أفواجًا في الدين الإسلامي؛ وبلغت هذه المفارقات الشاذة أوجها عندما تربع الخليفة عمر بن العزيز على عرش الخلافة، وغدت إذ ذاك خطرًا يهدد الكيان المالي للدولة بالتقويض، والانهيار، وبادر الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى وضع تنظيمات مالية تعالج تلك المفارقات؛ لأنه كان على علم سابق بهذه الأمور وبأسبابها قبل توليه الخلافة، إذ عرف سوء أعمال نفر من ولاة الأمويين، وقال عنهم: الحجاج بالعراق، والوليد بالشام، وقرة بمصر، وعثمان بالمدينة، وخالد بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلمًا وجورًا، فأرح الناس.
وحاول -رضي الله عنه- قبل خلافته إسداء النصح إلى بعض أولئك الولاة، وعمال الخراج، ومنهم أسامة بن زيد صاحب خراج مصر، ولم يقبل عمر العذر الذي تعلل به الوالي وهو تنفيذ سياسة الخليفة سليمان، وقال له: إنه لا يغني عنك من الله شيئًا، وقال عمر بن عبد العزيز أيضًا عن يزيد بن المهلب وآل بيته: هؤلاء جبابرة، ولا أحب مثلهم.