فكأنهم أخذوا الجزء الأكبر من الثروة في الدولة الإسلامية فماذا يتبقى لمن يأتي بعدهم: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} (الحشر: من الآية: 6) ثم يقول -تبارك وتعالى-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (الحشر: من الآية: 7) فسيدنا عمر: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فسيدنا عمر يبين أننا لو أعطينا هذه الأرض الخصبة الواسعة الكبيرة لو أعطيناها لهؤلاء الفاتحين أو الغانمين أو المقاتلين لأصبحوا طائفة تحوز كل الثروة وبقية المسلمين لا يحوزون شيئًا وهذا هو الذي منعه الله -تبارك وتعالى- بقوله: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} ولهذا قال لهم: أعطيكم أنتم, وماذا تبقى للمسلمين الذين يأتون من بعدكم, عندما قالوا له: يعني تعطي ما غنمناه لأناس لم يحضروا القتال, ولأبناء أناس لم يحضروا القتال, فكيف ذلك فقال لهم كيف أعطيكم أنتم هذه الأرض تفوزون بها وتصبحون الأغنياء وبقية المسلمين فقراء, إذا أعطيتكم هذه الأرض ماذا يتبقى للمسلمين الذين يأتون بعدكم.
أقول جاء بهذه الآيات واستدل بها, وفي خضم هذا كان سيدنا عمر يحكي هذا ويدلل على رأيه وسط اللجنة أو أمام اللجنة التي شكلها للاستشارة، وهي -كما قلنا- العشرة: خمسة من الأوس، وخمسة من الخزرج، من أكابر الصحابة الخبراء بأمور المسلمين, عندئذٍ وافقت اللجنة أو هيئة الشورى إن صح لنا التعبير, على وجهة عمر الخليفة عمر التي حددت مفهوم الغنيمة, والفيء بعد أن كان الخلط بين مدلوليهما سببًا في إثارة قضية تقسيم البلاد المفتوحة, إذ جعل الخليفة معنى الغنيمة منحصر في المال المنقول الذي يأتي نتيجة الحرب, أما معنى الفيء فقد وسع الخليفة مدلوله ليشمل ما يؤخذ عنوة وما يؤخذ عن طريق الصلح وأن الأرض المفتوحة وما ارتبط بها من فرض الجزية على أهلها إنما يدخل في مدلول الفيء, وصار من حق الأمة أن تجتهد ممثلة في مجلس الشورى.