الرجل: فضالة الغنم يا رسول الله قال -صلى الله عليه وسلم-: ((هي لك، أو لأخيك، أو للذئب)) يعني: إن لم تأخذها أنت؛ كاد أن يأخذها الذئب، معنى ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يأخذها ويعرفها سنة، قال الرجل: فضالة الإبل يا رسول الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر؛ حتى يلقاها ربها)).
ففي ضالة الإبل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل أن الإبل لا تؤخذ، ولا تلتقط، بل ينبغي أن تترك في مكانها؛ حتى يأتي إليها صاحبها؛ لأنه لا خوف على الإبل؛ معها الماء، وأيضا الغذاء؛ ولذلك لا نخاف عليها، ومنعه النبي -صلى الله عليه وسلم- من التقاط الإبل -كما قلنا- سار الأمر على ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عهد أبي بكرٍ، وفي عهد عمر -رضوان الله على الجميع- لكن سيدنا عثمان بن عفان لم يقف على حرفية هذا النص، بل خالفه مخالفة ظاهرية؛ لأنه رأي أن الحال قد تبدل، وأن الحديث ورد في عهدٍ ما كان يخشى فيه على ضالة الإبل أن تضيع، وتمتد إليه الأيدي؛ فلما رأى هذه الأيدي قد امتدت إليها؛ نظرًًا لضعف الوازع الديني عند الناس؛ أمر -رضي الله عنه- بجمعها والتقاطها، وبيعها؛ ليحفظ ثمنها لأصحابها، أو ينتفع بهذا الثمن في المصالح العامة للمسلمين -إن لم يظهر لها صاحب.
فعثمان -رضي الله عنه- إذا كان قد خالف في الظاهر هذا الحديث؛ فهو في الواقع، وباطن الأمر عامل بهذا الحديث، ومتمسك بروحه من حيث إن ذلك العارض الذي خاف معه على الإبل الضالة قد اختلف به الأمر، ولم تعد الحالة الثانية من جنس الحالة التي ورد فيها الحديث - بمعنى: أنه كانت الإبل لا يخاف عليها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عهد سيدنا عمر؛ لأن الناس كانوا يخافون الله -تبارك وتعالى- وكان الوازع الديني متوفرًا. أما وقد بعد الناس عن الدين، وأصبح هناك ضعف في الوازع الديني؛ فرأى سيدنا عثمان بن عفان أن يخالف الحكم الذي كان معمولًا به، والذي، ورد به الحديث، وهذه المخالفة لا تتصادم مع المبادئ العامة في الشريعة