من الآداب الشرعية: التطيب، والطيب مندوب إليه شرعاً، بل يتأكد التعطر للمسلم في يوم الجمعة والعيدين، وعند الإحرام، وعند حضور صلاة الجماعة، وفي المحافل العامة، وأيضاً عند قراءة القرآن وحضور مجالس العلم والذكر، يقول أنس رضي الله تبارك وتعالى عنه: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكّة يتطيب منها)، والسكّة: طيب أسود يُخلط ويُعرك ويُترك، وتظهر رائحته كلما مضى عليه الزمن، والظاهر أن المراد بالسكّة هنا: وعاء الطيب.
وعن ثمامة بن عبد الله قال: كان أنس بن مالك رضي الله عنه لا يردّ الطيب.
وقال أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان لا يرد الطيب)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا تُردّ: الوسائد، والدهن، واللبن)، والمقصود بالدهن هنا: الطيب والروائح العطرة.
فإذا كان الإنسان ضيفاً وقدّمت له وسادة فلا ينبغي له أن يرفضها، وكذلك إذا قُدّم له لبناً أو طيباً وأراد بعض العلماء أن ينظم معنى هذا الحديث في أبيات شعر، فنظمه وزاد عليه زيادة مشهورة بين الإخوة، وهي أن مما لا يرد أيضاً: اللحم، ويبدو أنهم اقتبسوها من أحاديث ضعيفة، فقال الناظم: قد جاء في سنة خير الورى صلى عليه الله طول الزمن ألا نرد الطيب والمتكى واللحم أيضاً يا أخي واللبن ومما ينبغي أن يراعى في التطيب: أن من الأدب التودد بين الزوجين بالتطيب، أو بين الإخوان، لكن من كان يعرف أن بعض أنواع الطيب قد تُحدث حساسية لبعض الناس أو تؤذيهم، فلا ينبغي له أن يتطيب بمثل هذه الأنواع؛ مراعاة لمشاعر الآخرين، المقصود من الطيب هو أن يتودد المسلم إلى إخوانه بأن تكون ريحه طيبة، كما في الحديث: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة)، فإذا كانت هذه الرائحة تؤذي الجليس، فينبغي تجنبها.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن المسك، فقال: هو أطيب طيبكم) وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه، وإن لم يجد طيباً فيأخذ من طيب أهله)، فهذه من الآداب المؤكدة يوم الجمعة، كالسواك والغسل والطيب، والمقصود بالمحتلم: هو كل بالغ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه)، ولعل الإشارة في طيب النساء إلى الحناء أو الخضاب ونحوه.
وعن أبي موسى رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل عين زانية، وإن المرأة إذا استعطرت فمرّت في المجلس فهي كذا وكذا) يعني: زاينة.
فلا يجوز للمرأة أن تتطيب إلا أمام محارمها أو زوجها، أما أن تتطيب وتخرج، وترسل هذا الرسول الشيطاني وهو الطيب، فقد وصفها النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الوصف الشديد: (فهي كذا وكذا) يعني: زانية، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً) والطيب يشمل البخور، ويعبّر عنه بالاستجمار، أي: من الجمرات التي تستعمل كطيب العود أو شيء من هذا.
وعلى الرجل أن يجتنب الطيب في الإحرام كما هو معروف، والمرأة من باب أولى.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حُبّب إلي الطيب والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة)، فممّا حُبّب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: الطيب والنساء، فهذه الصفة ليست مذمومة مادامت تصادف حلالاً، بل هي تُحمد في الرجل، وقوله: (وجُعلت قرة عيني في الصلاة) هذه هي الرواية الصحيحة خلافاً لما يشيع على ألسنة كثير من الناس: (حُبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة)، فهل الصلاة من أمور الدنيا؟ ليست الصلاة من الدنيا، فهي من أكبر وظائف الدين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حُبّب إلي من دنياكم: النساء والطيب، ثم يقول: وجعلت قرة عيني في الصلاة) ولم يقل: (حبب إلي من دنياكم ثلاث) كما يرفعه بعض الناس، بل هكذا رواه الإمام أحمد والنسائي: أن المحبب إليه من الدنيا: النساء والطيب، وأما قرة العين فتحصل بحصول المطلوب، وذلك في الصلاة.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما يجد، حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته) رواه البخاري، والوبيص هو: البريق واللمعان، وترجم الإمام ابن حجر رحمه الله: باب الطيب في اللحية والرأس -بالنسبة للرجل- ثم نقل عن الإمام ابن بطال قوله: يؤخذ منه: أن طيب الرجال لا يجعل في الوجه، بخلاف طيب النساء؛ لأنهن يطيبن وجوههن، ويتزينّ بذلك بخلاف الرجال، فإن تطيب الرجل في وجهه لا يشرع؛ لمنعه من التشبه بالنساء.
انتهى كلام الإمام ابن بطال.
فمفهوم هذا الحديث: أن طيب الرجل يكون في اللحية والرأس، ولا يكون في الوجه؛ فإن هذا من شأن النساء.