التي عرفت بمدرسة الرأي، وأصبح إمام فقهاء العراق غير منازع، وسارت بذكره الركبان، واجتمع مع أشهر علماء عصره، بالبصرة ومكة والمدينة، ثم ببغداد بعد أن بناها المنصور، وناقشهم واستفاد منهم واستفادوا منه، وما زالت شهرته تتسع حتى غدت حلقته مجمعاً علمياً يجتمع فيها كبار المُحَدِّثِينَ كعبد الله بن المبارك، وحفص بن غياث، مع كبار الفقهاء كأبي يوسف
ومحمد وزفر والحسن بن زياد، مع كبار الزُهَّادِ وَالعُبَّادِ كالفضيل بن عياض وداود الطائي، وما زال قائماً بأمانة العلم مع الاجتهاد في العبادة والاستقامة في المعاملة والزهد في الدنيا، والنصيحة لله ولرسوله وللمسلمين حتى لحق بربه راضياً مرضياً.
أَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنَ الضُّرَيْسِ (*)، يَقُولُ: شَهِدْتُ الثَّوْرِيَّ وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا تَنْقِمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؟: قَالَ: وَمَا لَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «آخُذُ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَمَا لَمْ أَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي كِتَابِ اللهِ وَلاَ سُنَّةَ رَسُولِهِ، وَلاَ سُنَّةٍ أَخَذْتُ بِقَوْلِ أَصْحَابِهِ، آخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ، وَأَدَعُ قَوْلَ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ , وَلاَ أَخْرُجُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ، أَمَا إِذَا انْتَهَى الأَمْرُ أَوْ جَاءَ الأَمْرُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَعَدَّدَ رِجَالاً - فَقَوْمٌ اجْتَهَدُوا , وَأَجْتَهِدُ كَمَا اجْتَهَدُوا» (?) (**).
وفي رواية: «فَمَا لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ أَخَذْتُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالآثار الصِّحَاحِ عَنْهُ الَّتِي فَشَتْ فِي أَيْدِي الثِّقَاتِ [عَنِ الثِّقَاتِ]» ... إلخ.
أما اجتهاده فيما لم يكن فيه نص من كتاب ولا سُنَّةٍ ولا قول صحابة، فقد كان مرجعه إلى القياس، ومن أنواع القياس عنده الاستحسان الذي فسر بأنه قياس خفي في مقابلة قياس جَلِيٍّ.
تلك هي أصول مذهبه العامة في الفقه والاجتهاد، وهي كما ترى أصول تتفق مع أصول الأئمة، وخاصة الأئمة الثلاثة الآخرين، وكان من