(الأول): التعصب الديني الذي استمر لدى ساسة أوروبا وقادتها العسكريين حتى إذا دخلت جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى بيت المقدس، قال اللورد «اللَّنْبِي» ( Lord صلى الله عليه وسلمllenby] (*) كلمته المشهورة: «الآنَ انْتَهَتْ الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ» أي من الناحية العسكرية. أما التعصب الديني فما يزال أثره باقياً في كثير مِمَّا يكتب الغَرْبِيُّونَ عن الإسلام وحضارته، وأكثر ما نجد إنصاف الإسلام ورسوله عند العلماء والأدباء الغَرْبِيِّينَ الذين تَحَلَّلُوا من سلطة ديانتهم، ونضرب لذلك مثلا بكتاب " حضارة العرب " لمؤلفه «غوستاف لوبون» فإنه أعظم كتاب ألفه الغَرْبِيُّونَ في إنصاف الإسلام وحضارته.
هذا، لأن «غوستاف لوبون» فيلسوف مادي لا يؤمن بالأديان قطعاً، من أجل هذا ومن أجل إنصافه للحضارة الإسلامية، لا ينظر إليه الغَرْبِيُّونَ في أوساطهم العلمية نظر التقدير الذي يستحقه علمه.
فهو - بلا شك - من أعظم علماء الاجتماع والتاريخ في القرن التاسع عشر، ومع هذا فقد تحامل عليه الغَرْبِيُّونَ - وخاصة الفِرَنْسِيِّينَ - لما ذكرناه.
(الثاني): أن القوة المادية والعلمية التي وصل إليها الغَرْبِيُّونَ في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أدخلت في نفوس علمائهم ومؤرخيهم وَكُتَّابِهِمْ قدراً كبيراً من الغرور حتى اعتقدوا أن الغَرْبِيِّينَ أصل جميع الحضارات في التاريخ - ما عدا المصرية - وأن العقلية الغربية هي العقلية الدقيقة التأمل التي تستطيع أن تفكر تفكيراً منطقياً سليماً، أما غيرهم من الشعوب - وخاصة الإسلامية - فإن عقليتهم بسيطة ساذجة، أو بالأصح «ذرية» كما عبر بذلك المستشرق «جب» في كتابه " وجهة الإسلام " ويقصد بذلك أن العقلية الإسلامية تدرك الأمور بواسطة الجزئيات ولا تدركها إدراكاً كلياً.
وهم لم يحكموا بذلك إلا على ضوء ما رأوه بأعينهم من ضعف الشعوب التي استعمروها وما سادها من جهل وما شملها من تأخر في كل نواحي الحياة.