أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ (كُنْيَةَ مَرْوَانَ) عَنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمًا جَمًّا وَمَقَالاً "، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَ مَرْوَانُ يُقَصِّرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَتَّقِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَخَافُهُ وَيَخَافُ جَوَابَهُ».
وفي رواية أن أبا هريرة قال لمروان: «إِنِّي أَسْلَمْتُ وَهَاجَرْتُ اخْتِيَارًا وَطَوْعًا، وَأَحْبَبْتُ رَسُولَ اللَّهِ حُبًّا شَدِيدًا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الدَّارِ وَمَوْضِعَ الدَّعْوَةِ، أَخْرِجْتُمْ الدَّاعِي مِنْ أَرْضِهِ، وآذَيْتُمُوهُ وَأَصْحَابَهُ، وَتَأَخَّرَ إِسْلاَمَكُمْ عَنْ إِسْلاَمِيِ فِي الوَقْتِ المَكْرُوْهِ إِلَيْكُمْ»، فَنَدِمَ مَرْوَانُ عَلَىَ كَلاَمِهِ لَهُ وَاتَّقَاهُ -. اهـ (?).
ولا شك في أن التفرغ للشيء، المهتم به، المتتبع له، يجتمع له من أخباره والعلم به في أمد قليل، ما لا يجتمع لمن لم يكن كذلك، ونحن نعلم من أحوال بعض التلاميذ مع أساتيذهم ما يجعل بعضهم - على تأخره في التلمذة والصحبة - مصدراً موثوقاً لكل أخبار أستاذه ما دق منها وما جل، وقد يخفى من ذلك على
كبار تلاميذه وقدمائهم ما لا يشكون معه في صدق ما يُحَدِّثُهُمْ به متأخرهم صحبة وتلمذة. فأي غرابة في هذا الوضوع؟ المُهِمُّ عندنا هو الصدق، وصدق أبي هريرة لم يكن محل شك عند إخوانه من الصحابة ولا عند معاصريه وتلاميذه من التَّابِعِينَ، هذا هو حكم التاريخ الصحيح الصادق، وكل ما يحكيه أَبُو رَيَّةَ من تكذيب بعض الصحابة أو شَكِّهِمْ فِي (صِدْقِهِ) فَكَذِبٌ مَفْضُوحٌ مُسْتَقًى من كتب يستحي طالب العلم أَنْ يَدَّعِي أنها «مصادر علمية» فكيف بمن يَدَّعِي أنها لا يرقى إليها الشك ولا يتطرق إليها الوهن؟
وإليك كشف الستار بإيجاز عن حقيقة ما زعمه في ذلك (?).
1 - زعم أن عمر ضربه بِالدِّرَّةِ وقال له: «أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وَأحْرِ بِكَ أن تكون كاذباً على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».