عصر الجمع والتدوين، من قبل الشِّيعَةِ التي وصمت أحاديث الجمهور بالكذب والوضع، وخاصة ما كان منها في فضائل الصحابة الذين يخاصمهم جمهور الشِّيعَةِ، ولم يقبلوا من أحاديث أَهْلِ السُنَّةِ إلا ما وافق أحاديثهم التي يروونها عن أئمتهم المعصومين في نظرهم، وبذلك حكموا على أحاديث بالوضع هي عند الجمهور من أرقى طبقات الصحيح، وخذ لذلك مثلاً الحديث الذي أخرجه البخاري من «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِسَدِّ كُلَّ خَوْخَةٍ تُطِلُّ عَلَى المَسْجِدِ مِنْ بُيُوتِ الأَصْحَابِ، إِلاَّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ»، فهذا الحديث الذي استكمل شرائط الصحة عند الجمهور وارتفع عن مستوى الضعف أو الشك في نظر النقد العِلْمِيِّ الصحيح، هو عند الشِّيعَةِ مكذوب موضوع لمقابلة حديث زعموا صحته وهو أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَنْ تُسَدَّ الأَبْوَابَ كُلَّهَا إِلاَّ بَابَ عَلِيٍّ، وخذ لذلك مثلاً آخر يَدُلُّكَ على العكس، وهو حديث «غَدِيرِ خُمْ» (?)، فهذا الحديث يكاد يكون عُمْدَةُ المَذَاهِبِ الشِّيعِيَّةِ كلها ودعامتها الأولى، والأساس الذي أقاموا عليه نظرتهم إلى الصحابة وخصومتهم للخلفاء الثلاثة وأشياعهم من جمهور الصحابة، هو عند أَهْلِ السُنَّةِ حديث مكذوب لا أساس له، لَفَّقَهُ غُلاَةُ الشِّيعَةِ لِيُبَرِّرُوا به هجومهم وَتَجَنِّيهِمْ على صحابة رسول الله، وقد قدمنا لك كيف قضت القواعد التي وضعها أئمة الجمهور لنقد الحديث بكذب هذه الرواية، وأعتقد أنه لا يسع المنصف المحايد من موافقة الجمهور على ذلك، إذ أن العقل يحكم باستحالة كتمان جمهور الصحابة أمر الوصية التي زعم الشِّيعَةُ أنها كانت علانية على ملأ منهم، كما يحكم باستحالة اتفاقهم على غمط عَلِيٍّ، وكتمانهم أمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم الذين بلغ حرصهم على نشر دين الله وتأدية أحكامه كاملة غير منقوصة، أن يجهروا بالحق مع وُلاَّتِهِمْ دُونَ أن يخافوا حساباً أو عقاباً، هذا في أمور بسيطة كَمُهُورِ النِّسَاءِ أو القعود في خطبة الجمعة، فكيف بوصية أوصى بها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحابته جميعاً وَعَيَّنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015