«اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الكَذِبَ فِي أَحَادِيثِ الفَضَائِلِ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الشِّيعَةِ ... الخ (?) وَقَدْ قَابَلَهُمْ جَهَلَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالوَضْعِ أَيْضًا».
ليس من السهل علينا أن نتصور صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين فَدَوْا الرسول بأرواحهم وأموالهم وهجروا في سبيل الإسلام أوطانهم وأقرباءهم، وامتزج حب الله وخوفه بدمائهم ولحومهم: أن نتصور هؤلاء الأصحاب يقدمون على الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت الدواعي إلى ذلك بعد أن استفاض عندهم قول حبيبهم ومنقذهم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (?) ولقد دلَّنَا تاريخ الصحابة في حياة الرسول وبعده أنهم كانوا على خشية من الله وَتُقًى يمنعهم من الافتراء على الله ورسوله أنهم كانوا على حرص شديد على الشريعة وأحكامها وَالذَبِّ عنها وإبلاغها إلى الناس، كما تَلَقَّوْهَا عن رسوله، يتحملون في سبيل ذلك كل تضحية، ويخاصمون كل أمير أو خليفة أو أَيَّ رجل يرون فيه انحرافاً عن دين الله، لا يخشون لوماً، ولا موتاً، ولا أذى، ولا اضطهاداً.
هَذّا عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ فَيَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُمَةً عِنْدَ اللهِ لَكَانَ أَوْلاَكُمْ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ... الخ، فَتَقُومُ إِِلَيْهِ امْرَأَةٌ فَتَقُولُ لَهُ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمِيعًا: مَهْلاً يَا عُمَرُ! يُعْطِينَا اللهُ وَتَحْرِمُنَا أَنْتَ؟ أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ... } (?) فَيَقُولُ عُمَرُ: (امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ) (?). وها هو يجادل أبا بكر